مبارزة بين “شكسبير” و”مارلو” في مهرجان المسرح الجامعي
أمينة عباس
افتتح مهرجان المسرح الجامعي الثامن والعشرين المقام، حالياً، في دمشق بالعرض المسرحي “المبارزة” رضوان شبلي وإخراج رائد مشرف، وكسب العرض إعجاب الجمهور الكبير الذي حضره وصفق طويلاً في نهايته تحيةً للجهود الكبيرة التي بذلها المشاركون فيه، وقد كان الجمهور شاهداً على تلك المبارزة التي جمعت الكاتبين الشهيرين “وليم شكسبير” و”كريستوفر مارلو” لمعرفة من منهما يستحق أن يكون الكاتب المسرحي البريطاني الأول بعد صراع طويل بينهما، وبدا واضحاً انحياز العمل لـ”مارلو”، يقول المخرج رائد مشرف: “ذهبنا باتجاه هذه القراءة استناداً إلى بعض المقالات المتوافرة، فـ”مارلو” كاتب مهم في تلك الفترة، ورأينا أنه يستحق الإضاءة عليه ككاتب كان يوازي “شكسبير” الذي تربينا على أدبه وكتاباته، لذلك ذهبت القصة في العرض بهذا الاتجاه، ولاسيما أن الدراسات تثبت ما جاء في المسرحية عن مكانة هذا الكاتب، وقد أردنا أن ننصفه”.
وعبّر مشرف عن سعادته بالنجاح الذي لاقاه العرض بعد جهود كبيرة بذلها المشاركون فيه للوصول إلى هذه النتيجة، مع تأكيده أن علامات النجاح مؤشر على عمل تضافرت فيه جهود كل العناصر الفنية لتقديم حالة إخراجيّة مميزة: “المخرج قادر على أن يحدد من خلال عمله مع فريقه إن كان ما سيقدّمه مقبولاً لدى الجمهور، وإن كان سيحقق النجاح”، ولم يخفِ مشرف أنه تابع العرض كمخرج أولاً على صعيد عمل الممثلين والسينوغرافيا والديكور والموسيقا والإضاءة وإيقاع العرض، كما تابعه بعين الناقد ليقف عند الأخطاء والهفوات، وكصاحب تجارب في مسارح المنظمات والمسرح القومي، ولقناعته أنه لا يوجد عمل كامل فهو راضٍ عما تحقق في النهاية من خلال قدرة العرض على شد الجمهور على مدار خمسين دقيقة.
وعن أولوياته كمخرج في هذا العرض والعروض التي يقدّمها عادةً يحدثنا مشرف قائلاً: “أميل إلى البساطة في العمل المسرحي، ولا أحب الشكلانيات، وهاجسي الدائم العمل مع الممثل على الخشبة، وأرى أن الممثل هو أهم عنصر في العمل المسرحي من دون التقليل من أهميّة العناصر الأخرى، لذلك أذهب باتجاه العمل معه لأقدّمه بشكل يخدم الدور الذي يقوم به والفكرة التي يسعى إلى إيصالها، لذلك أنحاز إلى تقديم مسرح بسيط بعيد عن الديكورات الضخمة والتقنيات، ليكون الممثل عندي دائماً هو الورقة الرابحة في العرض”.
وحول استعراض بعض المخرجين لقدراتهم الإخراجيّة على حساب المضمون يرى مشرف أن ذلك يعود ـ في غالبية الأحيان ـ إلى تغطية بعض عيوب عناصر العمل.
وحول آلية اختيار الممثلين في العرض يقول: “حين طُلب مني إخراج مسرحية “المبارزة” طلبت مجموعة من الطلاب عن طريق المكتب الإداري في جامعة دمشق ووقع الاختيار بدايةً على ٥٠ طالباً وتم اختيار ١٥ منهم في البداية، ومن ثم ١٠ ومن هؤلاء تم اختيار المشاركين السبعة في العرض، وأجرينا بروفات عديدة نتيجة تأجيل تاريخ انعقاد المهرجان، وقدّمتُ لهم خلال هذه الفترة خلاصة تجربتي، ولم أبخل عليهم بشيء”.
ليست هي المرة الأولى التي يعمل فيها المخرج مشرف مع المسرح الجامعي، فتجربته تعود إلى عام ١٩٩٩ من خلال مسرحية “القيامة” لممدوح عدوان والتي قدّمها باسم “مذكرات أبو ماجد” ضمن مهرجان المسرح الجامعي الذي أقيم في دير الزور، وحلّت المسرحية في المركز الثالث ونال عنها جائزة أحسن ممثل، وبعد أعمال عدة له مع اتحاد شبيبة الثورة عاد إلى العمل مجدداً مع المسرح الجامعي في عام ٢٠٠٧ من خلال مسرحية “رومولوس العظيم” التي شاركت في مهرجان حلب وحصلت على الجائزة الثانية وجائزة أحسن ممثل لمشرف، تلتها مسرحية “هوامش” التي شاركت في المهرجان المسرحي الجامعي الذي أقيم في اللاذقية وصُنّفت خارج التقييم، وبعد انقطاع مدة سنتين عن المسرح الجامعي عاد وأخرج مسرحية له مسرحية “فوضى” في مهرجان حلب وحصل العرض على جائزة أفضل عرض مسرحي.
يقول رائد مشرف: “أعدّ العمل مع المسرح الجامعي واجب، ولا يمكن أن أرفض أي دعوة من قبله ومن قبل المنظمات الشعبية، لأنني ابنها وكان لها الفضل على وجودي كممثل ومخرج، لذلك يسعدني العمل من خلالها مع جيل الشباب المسرحي لأقدم لهم خبرتي وأستفيد من خبرتهم، و”المبارزة” وفاء للمسرح الجامعي الذي سأظل وفياً له لأنه رافد حقيقي للمسرح السوري”.
عمل رائد مشرف كذلك في المسرح القومي كممثل منذ العام ٢٠٠٠ بعد الانتساب لنقابة الفنانين، والبداية كانت مع مسرحية “الهلافيت” إخراج زيناتي قدسية، ثم تتالت أعماله مع المسرح القومي، وفي عام ٢٠١٨ خاض تجربته الأولى في الإخراج مع المسرح الجوال في مديرية المسارح من خلال مسرحية “وحشة” لـ”تشيخوف” التي شارك فيها عدد كبير من الممثلين، تلتها مسرحية “فوضى” التي قدمها بالتعاون بين مديرية المسارح والاتحاد العام لطلبة سورية، كما أخرج مشرف العديد من الأعمال لمصلحة اتحاد شبيبة الثورة، وشارك في مهرجانات عدة له.
ويبيّن مشرف: “بعد تجاربي العديدة في مسارح المنظمات والمسرح القومي لا أستطيع إلا أن يكون هدفي في كل عرض علامة فارقة وبصمة خاصة، وأسعى دائماً لأن أطور أدواتي لتحقيق كل ما هو مميز ومختلف عما سبق وقدمته”.
وختم مشرف حوارنا معه شاكراً اتحاد الطلبة الذي قدّم الدعم لتقديم عرض يليق باسم فرع دمشق.