ونسة عابد تجسد حالات انفعالية للخيل في “أثر”
ملده شويكاني
كثير من الفنانين التشكيليين رسموا الخيل العربي الأصيل بوضعياته وحالاته المختلفة، لكن التشكيلي العراقي عماد الطائي صُنّف بأنه من أروع من رسم الخيل، وأعاد إلى الأذهان أجمل قصائد الشعر العربي، التي تفنّن بها الشعراء بوصف جمال الخيل، وبالتعبير عن الرباط الوثيق بين الخيل والفارس الذي يبوح له بأسراره ومكنوناته كما قال عنترة بن شداد:
هلّا سألت الخيل يا ابنة مالك
إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
أما ابن عباس فاستوصى الناس بحبّ الخيل:
أحبّوا الخيل واصطبروا عليها
فإن العزّ فيها والجمالا
ولعلّ ما كُتب بثقافتنا العربية عن الخيل جعل الفنانة التشكيلية المهندسة ونسة عابد تستعرض أثرها بالتحاور الخفيّ مع المتلقي من خلال لوحاتها، التي رسمت فيها الخيل بوضعيات وانفعالات مختلفة، مركزة على سكونه وحزنه تارةً، وعلى عنفوانه وهيجانه تارةً أخرى بتجسيد حركته المترافقة مع صهيله ووقع حوافره، في معرضها الفردي الثاني “أثر” الذي أقيم باسم جمعية بيت الخطّ العربي والفنون في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة).
وتعدّ التشكيلية ونسة عابد من أبرز الفنانات والفنانين الذين قدّمتهم الجمعية للمشهد التشكيلي، فبعد “انعكاسات” معرضها الأول في العام الماضي تستمر بالمسار ذاته، وتقدم خمسة وعشرين عملاً بألوان زيتية وأحجام متوسطة، وكان الخيل بشكله الفردي المحور الأساسي في المعرض ضمن إطار الواقعية التعبيرية.
وتفاوتت اللوحات فيما بينها من حيث دقة التشريح لجماليات تفاصيل جسد الخيل، إذ أبدعت بالتركيز على رسم رأسه والتفاتات عنقه مركزة على ملامح وجهه، وعلى عينه بالتحديد التي تفيض بالمشاعر والأحاسيس، لكنها أضاعت غرام الخيول، فلم تجسّد ثنائيات للخيول ولا للجموع المعبّرة عن تواصل روحي وحياتي يعيشه الخيل بعوالمه الساحرة.
وعقبت على ذلك بأن الوقت أدركها، ولم تستطع إنجاز لوحات ثنائية وجماعية للخيل، وفي الوقت ذاته ترى أن الحالة الفردية للخيل كافية لتقديم لوحة متكاملة حاملة المضمون المراد إيصاله للمتلقي. وفي منحى آخر استوحت من الطبيعة عدداً من اللوحات المتميزة بالاندماج اللوني وبتبسيط المشهد برؤيتها الخاصة ضمن التعبيرية، وبشيء من التجريد في بعضها، فشكّلت أمواج البحر جزءاً منها.
وفي حديثها لـ”البعث”، أوضحت عابد أن الخيل كائن حيّ يعكس انطباعاته وأحاسيسه على الآخرين مثل الإنسان، مضيفة: “الصور التي اطلعت عليها لوضعيات وأشكال الخيول العربية الأصيلة والتي أثرت بأعماقي ومخيلتي ولامستني بشكل خاص، جعلتني أجسّدها بلوحاتي الحاملة شيئاً من روحي وهواجسي لكي أعبّر بفضاءاتها وألوانها عن بصمتي ورؤيتي التشكيلية الخاصة، وكانت رحلة البحث عن الصور بدقة عالية صعبة جداً، وبرأيي من الممكن أن يستعين الفنان بلوحات لفنانين رسموا الخيل فيستفيد من التوازن باللوحة شريطة ألّا يطغى على أسلوبه ولمسته ورؤيته”.
أما عن التفاوت بعنصر التشريح، فبيّنت: “الخيل كتلة من العضلات ولا بدّ من إبراز حركة اليد وعضلات الصدر وشكل الوجه وفتحة الأنف التي تختلف في حالة هيجان الخيل عن لحظة سكونه وهدوئه، كذلك الحال بالنسبة إلى أرجل الخيل ووقع حوافره، فكل عضلة بجسد الخيل تتبع حالته الانفعالية حتى شعره المسترسل أو الهائم”.
أما الخلفيات، فاعتمدت عابد على الخلفية الهادئة لألوان الخيل الحارة، بينما تقصّدت في أخرى المزج اللوني المتنوع، كذلك أظهرت قوة الضوء باللوحة التي تتطلّب الظلّ القويّ، مثل اللوحة التي اختارت فيها اللون الأصفر الفاقع لشعر الحصان المسترسل على خلفية قاتمة، وفي أغلب اللوحات استخدمت الألوان القوية بتناسب لوني متوازن للتشكيل والمضمون مثل اللوحات التي تسرّب إليها اللون البنفسجي بتدرجاته.
أما عن حبّها للخيل فهو ضمن اهتماماتها بتجسيد الطبيعة كونه جزءاً من الطبيعة، وترى أن قراءة اللوحات تتبع لأفكار المتلقي وذائقته، فاللوحة التي عبّرت فيها عن حزن الخيل ربما يقرؤها المتلقي من جانب آخر فيجد فيها حالة تأمل وفرح، مشيدة بأهمية التواصل مع الزائرين والفنانين في المعارض الفردية، وضرورة الاطلاع على خبرات الفنانين من خلال المعارض الجماعية التي تشارك فيها.