الحملات القمعية على الحرية الأكاديمية مجرّد بداية..
سمر سامي السمارة
خلال موجة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية ضد العدوان المدعوم من الولايات المتحدة على غزة، والدعوة إلى سحب الجامعة استثماراتها في الشركات المؤيّدة لـ”إسرائيل”، لم يكن الطلاب هم المتظاهرين الوحيدين الذين واجهوا الاعتقال، فقد تم القبض أيضاً على أعضاء هيئة التدريس الداعمين لها في حملة القمع المستمرة.
ففي جامعة كولومبيا، قام أعضاء الكونغرس بالضغط على رئيسة الجامعة نعمت شفيق لتقديم الاستقالة بدعوى أنها كانت متساهلة مع المتظاهرين، على الرغم من أن كلية الصحة العامة بالجامعة وجّهت بحجب الثقة عن عضو هيئة تدريس من جنوب إفريقيا بسبب تقديم دروس تتعلق بالآثار الصحية للاستعمار الاستيطاني، كما وعدت شفيق بإجراءات عقابية بدعوى استخدام الأساتذة مصطلحات مثل “الاستعمار الاستيطاني” أو “الفصل العنصري” في سياق الحديث عن “إسرائيل” بتهمة التمييز المزعوم ضد اليهود، وعزل الأساتذة من مهام التدريس رداً على شكاوى الطلاب اليمينيين.
وعندما أدلت شفيق بشهادتها أمام الكونغرس في منتصف نيسان الماضي، أعلنت أنه قد تم عزل أستاذ السياسة وتاريخ الفكر العربي الحديث في جامعة كولومبيا جوزيف مسعد، من منصبه كرئيس للجنة المراجعة الأكاديمية بالجامعة بعد ادّعاءات الجمهوريين أنه قال: إن “قتل حماس لليهود كان رائعاً ومذهلاً”، على الرغم من أنه لم يقل شيئاً من هذا القبيل.
أثار موقف شفيق قلقاً عميقاً لدى بعض أنصار الحريات الأكاديمية، منهم إيرين مولفي، رئيسة الرابطة الأمريكية لأساتذة الجامعات التي قالت لصحيفة نيويورك تايمز: “إننا نشهد حقبة جديدة من المكارثية حيث تستخدم لجنة في مجلس النواب رؤساء الكليات والأساتذة في الساحة السياسية”، مضيفة: إن قيام شفيق علناً بتسمية الأساتذة الخاضعين للتحقيق لاسترضاء لجنة عدائية يمثل سابقة خطيرة للحرية الأكاديمية، ويحمل أصداء الجبن الذي ظهر في كثير من الأحيان خلال عهد مكارثي.
وللإشارة، فإن كولومبيا ليست الجامعة الوحيدة التي يشعر فيها أعضاء هيئة التدريس بإلغاء حرياتهم الأكاديمية بشكل مطّرد، فقد تم إعفاء أستاذ مساعد في الدراسات الثقافية الأمريكية في جامعة واشنطن من جميع واجباته الوظيفية ومُنع من الوجود في أي جزء من حرم الجامعة بعد مشاركته في مظاهرة مؤيّدة للفلسطينيين تم فيها اعتقاله مع غيره من المتظاهرين السلميين.
كان طلاب الدراسات العليا والمدرسون معرّضين للخطر بشكل خاص، وفي عدة حالات، تم عزلهم لمجرد الإشارة إلى العواقب الإنسانية للعدوان الإسرائيلي على غزة.
كذلك تتدخل الإدارات في المناهج الدراسية أيضاً، ففي كلية الحقوق في ألباني، أُمر أحد الأساتذة بإلغاء نشر مقال مراجعة للقانون كتبه باحث قانوني أمريكي بارز وإحاطة قانونية صادرة عن منظمة أمريكية للحقوق المدنية تتعلق بـ”إسرائيل” وفلسطين.
على الرغم من هذه الانتهاكات، دعمت إدارة بايدن الممارسات القمعية على الحرية الأكاديمية بدلاً من محاربتها، حيث أجرت وزارة التعليم تحقيقاً في الباب السادس في جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل، لأن أستاذاً من ذوي البشرة السمراء في قسم الاتصالات قال في الفصل: إن “إسرائيل والولايات المتحدة لا تهتمان بالقانون الدولي أو جرائم الحرب”، وحسب إدارة بايدن، هذه الانتقادات لسياسة الولايات المتحدة، تشكل تمييزاً ضد اليهود.
وأطلق بايدن أيضاً تحقيقاً ضد أستاذ علم النفس بجامعة جورج واشنطن بتهمة معاداة السامية المزعومة بسبب تعليقات انتقاديه حول “إسرائيل”، وذلك بعد أيام قليلة من تحقيق مستقل لم يجد أي دليل يدعم هذه الاتهامات.
وفي جامعة إنديانا، تم اعتقال أربعة أساتذة أثناء محاولتهم حماية الطلاب المشاركين في الاحتجاجات السلمية في منطقة حرية التعبير المعترف بها داخل الحرم الجامعي، ومنذ ذلك الحين مُنعوا من دخول الحرم الجامعي لمدة عام، وفي جامعة واشنطن، تعرّض أستاذ التاريخ ستيف تماري للضرب المبرح على أيدي الشرطة أثناء دعمه للمتظاهرين السلميين، وتم نقله إلى المستشفى مصاباً بكسور متعدّدة في الضلوع وكسر في اليد. وحتى مراقبو هيئة التدريس الذين لم يشاركوا في الاحتجاجات أصبحوا أهدافاً، كما هو الحال في جامعة إيموري، حيث تعرّضت أستاذة الاقتصاد كارولين فروهلين للضرب الجسدي أثناء اعتقالها، كما تم القبض على نويل مكافي، رئيسة قسم الفلسفة في جامعة إيموري، وفي كلية دارتموث، وتعرّضت أنيليز أورليك رئيسة برنامج الدراسات اليهودية، البالغة من العمر خمسة وستين عاماً للاعتداء الجسدي وتم دفعها إلى الأرض أثناء اعتقالها، ومنعت من دخول الحرم الجامعي مدة ستة أشهر.
ويرى مراقبون أن هذه الحملة القمعية على الحرية الأكاديمية هي الأسوأ منذ ما يقرب من ستين عاماً، فقد أصبح واضحاً أنها مرتبطة بالضغط الذي تمارسه الجماعات الصهيونية اليمينية والجهات المانحة.
وكشفت دراسة استقصائية لأعضاء هيئة التدريس في دراسات الشرق الأوسط، أن “82% من جميع المستجيبين المقيمين في الولايات المتحدة، بما في ذلك جميع الأساتذة المساعدين الذين يشكّلون 98% تقريباً، قالوا إنهم يمارسون الرقابة الذاتية عندما يتحدّثون بشكل احترافي عن الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين”، ما يؤكّد أن الحملة القمعية لها تأثيرها الكبير في الكادر التدريسي.
وفي حين أن اليمين قد يستغل المخاوف المتعلقة بـ”معاداة السامية”، من المؤكد أن ما يحدث في الجامعات قد يكون مجرد بداية.