الاعتراف بدولة فلسطين.. السردية الفلسطينية تتقدم
سنان حسن
أعلنت إسبانيا والنرويج وايرلندا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حدث يؤشر إلى تقدم السردية الفلسطينية في العالم، وتمكنها بعد عقود من الدعاية الصهيونية من فرض رؤيتها ومظلوميتها التي حاولت الصهيونية بكل ما تملك من وسائل طمسها ومحوها عن الخارطة الدولية، ولعل في العدوان على غزة والضفة والقدس المحتلة المستمر منذ أكثر من ثمانية أشهر ما يؤكد ذلك.
منذ نكبة فلسطين والمنظمة الصهيونية العالمية تعمل على دثر وتهويد التراث الفلسطيني، حيث لم توفر أي وسيلة لتحقيق ذلك سواء عبر العمل العسكري، وتدمير كل الحضارة الفلسطينية وإقامة المستوطنات عليها، أو من خلال تهويد الروايات الفلسطينية والأماكن ومحاولة نسبها إلى قصص إسرائيلية مزعومة، حيث عملت على أدق التفاصيل لتحقيق ذلك، وخاضت من أجلها حروباً ثقافية.
حرب الإلغاء الصهيونية على السردية الفلسطينية لم تتوقف في العالم، حيث استطاع كيان الاحتلال بما يملك من أدوات تأثير كبرى في المجتمعات الغربية، من تغيب القضية الفلسطينية وأي أمر يتعلق بها، والأهم المحافظة على سردية “إسرائيلية” في المقدمة من خلال اختلاق تسليط سيف معاداة السامية على كل من يحاول تكذيب هذه الرواية، وما حصل مع الأديب الفرنسي روجيه غارودي مثال فاضح على ذلك.
كما سعت الصهيونية من خلالها نفوذها المالي والإعلامي على تغييب القضية الفلسطينية ومظلوميتها في الميديا العالمية حتى في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث استطاعت فرض قيود وصلت إلى حظر أي صورة لما يجري في فلسطين تحت ذريعة محاربة العنف والأعمال الإرهابية.
في المقابل لم يتوقف الفلسطينيون بفصائلهم ومنظماتهم وحتى بمبادراتهم الشخصية، في مواجهة هذه الدعاية الصهيونية، فاستطاع الرواد الفلسطينيون في الشتات من رأب الصدع في الكثير من المواجهات، ولكن السيف الأمضى في تقدم السردية الفلسطينية هو معركة طوفان الأقصى التي كان لها كبير الأثر في تغير المزاج العام العالمي، وبداية تلمس الكثير من الحقائق والقضايا التي تؤيد القضية الفلسطينية، وتطالب بإنصافها وإعطائها حقوقها المشروعة في تقرير المصير، وإقامة الدولة والعيش بما تكفله الحقوق الإنسانية الدولية، فرأينا الهبّة الطلابية العالمية دعماً لفلسطين وحقوقها، ورفضاً لكل أشكال التعاون مع “إسرائيل” والمطالبة بمعاقبتها، وإيقاف التعاون والاستثمارات معها، ومعاقبة المسؤولين الإسرائيليين ومحاكمتهم على جرائمهم بحق الفلسطينيين.
طبعاً الثورة الجامعية الطلابية انطلقت من الجامعات الأمريكية والبريطانية والغربية الكبرى، والتي كانت إلى فترة طويلة مراكز لبث الدعاية الصهيونية والترويج لها، وبالتالي انتصار السردية الفلسطينية فيها يعني أن هناك تغيير كبير في العالم، والأمر لم يتوقف عند الجامعات، بل رأينا شعبياً بخروج مظاهرات كبيرة في عشرات المدن الأمريكية والغربية حتى باتت تقليدياً أسبوعياً منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، “كل سبت هناك تظاهرات في لندن والمدن البريطانية”.
كما أن المنظمات الدولية والأممية كان لها نصيب من هذا التقدم الفلسطيني والذي عبر عنه صراحة الأمين العام للأمم المتحدة الذي طالب بتفعيل المادة الـ99 من ميثاق الأمم المتحدة، ومطالبة مجلس الأمن بتحمل مسؤولياتهم القانونية تجاه ما يحدث من إبادة في غزة، والأمر الثاني قرار مجلس الجمعية العامة بالاعتراف بفلسطين وحجم التصويت الكبير لصالحها، ولعل الأهم دولياً هو دعوى جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية والمطالبة بمحاكمة “إسرائيل” على حرب الإبادة التي تمارسها بحق الفلسطينيين في غزة.
إن الاعتراف بفلسطين كدولة هو خطوة سياسية وقانونية تؤكد أحقية الفلسطينيين بإقامة دولتهم، وأن كل المحاولات والسعي الصهيوني العالمي لطمسها والتحايل عليها، كما في صفقة القرن التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ذهبت أدراج الرياح بفضل عزيمة وانتصارات مقاومة وطنية فلسطينية أسطورية في كل الساحات من القدس إلى الضفة وغزة، وليس انتهاءً بالشتات، والتي تفوقت على جبروت القوة الصهيونية وداعميها، وأكدت للعالم أن الحق لا يموت أو يسقط بالتقادم.