“شتات” عرض مسرحي عن يوميات المهاجرين وأوجاعهم
أمينة عباس
يؤمن المخرج وليد العاقل والذي قدّم عرضه المتميز “شتات” على خشبة مسرح القباني ضمن مهرجان المسرح الجامعي بأن العمل المسرحي عمل تراكمي وليس بالعرض السنوي الذي يقدّمه الممثل كل عام، إنما بمتابعة تجارب الفرق الأخرى المشاركة في مهرجان المسرح الجامعي وبعض الورشات المقامة على هامشه وجلسات النقاش التي غدت تقليداً أساسياً أثبت فعاليته في تطوير مخزون الممثل المسرحي فكرياً وبصرياً: “هذا أحد الأهداف البعيدة للاتحاد الوطني لطلبة سورية لرفد المهرجان بكوادر جديدة كل عام في الإخراج والتمثيل”، لذلك، يرى العاقل أن المنافسة في المهرجان من حيث المبدأ هي محاولة لتحفيز عناصر العرض المسرحي كلها للاجتهاد أكثر بالحالة الإبداعية ولتطوير قدراته الفنية كمخرج وتحريض خياله بشكل متواصل لشكل فني إبداعي أكثر حداثة، وعن سبب اختياره للنص يقول: “هذا هو السؤال الأكثر أهمية والأصعب الذي يراودني بعد كل نهاية مهرجان، ولأنّ الشريحة المستهدفة هي جمهور الطلبة بكل هواجسهم وإشكالاتهم الاجتماعية والنفسية والأخلاقية التي تتغيّر تبعاً لظروف كثيرة، فمن هنا وقع خياري هذا العام على عرض يتناول موضوع الهجرة التي أصبحت هاجس جيل الشباب”.
يتناول “شتات” تفاصيل يوميات مهاجرَين يقيمان في أحد أقبية مدن الصقيع التي قادتهما ظروف مختلفة للعيش فيها، وفي المسرحية يعيش الجمهور حالة الاغتراب بكل تداعياتها النفسية والفكرية والسياسية من خلال شخصيتين مختلفتين من حيث الثقافة والعمل لإيصال رسالة صادقة عن أوجاع المهاجرين وهواجسهم الكثيرة. يقول العاقل: “الشخصيتان تنتميان لمنطقه جيوسياسية واحدة ربما، لكنهما فكرياً على طرفي نقيض، فلكل منهما نمط عيش مختلف ومناقض للآخر، وهذا الاختلاف الشاقولي هو الفضاء الرحب لتصادم وجهتي نظريهما في حوار متوتر ولكنه عميق لأن النص كتب بعدالة ولم يفكر بتوجهات المتلقي الفكرية وإلى أي طرف يميل، هذا الحياد كان ضرورياً لخلق التشويق وتجنب الانتصار لوجهة نظر أحادية.. فشخصيتي “الأستاذ نجيب” و”حسن البسيط” ينتميان في الأصل إلى جغرافيا واحدة في بلد تنهشه مختلف الأزمات والصراعات المجتمعية والاقتصادية والسياسية والعقائدية بكل ما تحمله من قهر وفساد وزعزعة للبنية التحتية والأخلاقية للمجتمعات، لكن الشخصيتين تختلفان في الرؤى وتفاصيل الحياة اليومية الصغيرة والمصير، فالأستاذ نجيب المثقف هاجر بحثاً عن حريته السياسية والإيديولوجية، بينما حسن الرجل البسيط هاجر بحثاً عن لقمة عيشه، وفي ذلك القبو العفن وفي ليلة رأس السنة في إحدى المدن الأوروبية يكشفان أقنعة عوالمهما المختلفة.. فـ”حسن” الذي يسرف في العمل ويخبئ كل ما تجنيه يداه يحرم نفسه من أبسط متع الحياة ليجمع ما جناه تعبه ويعود إلى بلده ليحظى بفرصة عيش لائق يصون له كرامته، بينما الأستاذ نجيب تهيمن عليه رؤاه الفكرية فيغرق في عالم المصطلحات الفكرية والفلسفية التي تجعله يعتقد أنها السبيل الوحيد لنيل حريته في أي مكان يوجد فيه”. يرى العاقل أن “شتات” فرصة غنية لطرح الكثير من الأسئلة الحياتية والوجودية في مجتمعاتنا.
ويعدّ نص “المهاجران” للبولندي “سلافومير مروجيك” الذي قدّمه العاقل باسم “شتات” من النصوص التي قدمت مرات عدة على خشبات المسارح، وقد حاول العاقل جاهداً أن يحافظ على متن الحكاية -كما يقول-، لكن تبدل زمن كتابة العرض وإسقاطه على الأزمة السورية أخذ بيد الشخصيات والفكرة لذرى مختلفة نوقشت فيها فكرة الهجرة بعدالة ومن وجهتي نظر مختلفتين في الأسباب والنتائج لكي تكون أقرب لذهنية الشباب، ولكي يقدم ظروفاً موضوعية تكون مبررة لكل شخصية في دفاعها عن رأيها بقطع حبل وريدها عن وطنها: “لم أنتصر لأحدهما، بل اكتفيت بطرح تفاصيل المشكلة وترك الحكم للمتلقي بصوابية القرار”.
بين الشكل والمضمون لم ينحز العاقل في عرضه لأي منهما لقناعته أن العرض الذي يسعى للتكامل يجب أن يأخذ بالحسبان الشكل والمضمون معاً: “كنت وفياً لسينوغرافيا العرض بأكثر التفاصيل دقةً، وهذا من المفترض أن يكون ديدناً لكل مخرج يفرغ كل مكنونات روحه الإبداعية في عمله”، وعن الأساس الذي اعتمد عليه في اختيار الممثلين يقول: “منذ 4 سنوات وبصفتي مدير المسرح الجامعي في السويداء أنجزنا ورشة تمثيل كانت نتائجها مثمرة بكادر شغوف بالعمل المسرحي، فأنجزنا عروضاً عدة حصلت جميعها على جوائز محلية وعربية ودولية في النص والممثلين والعرض المتكامل في مهرجان صحار بسلطنة عمان وفي مهرجان القاهرة، ورشحت عروض الفرقة لمهرجان القاهرة الدولي ولمهرجان الزرقاء المسرحي في الأردن، وأخيراً حصلنا على شرف دعوتنا للمشاركة بمهرجان إيزيس العالمي لمسرح المرأة، الفريق يتبدل بتبدل العمل وبتغير ظروف بعض الممثلين، ولكننا بقينا أسرة واحدة فمن يعمل ممثلاً يترك لزملائه إمكانية العمل بالإضاءة والصوت والديكور وتصميم الموسيقا، وبذلك أصبح الجميع يمتلك خبرة معقولة بكل تقنيات العمل الفني المسرحي”.
يُذكر أن “شتات” من تمثيل هلال ناصر الدين وعمران الصفدي، إخراج وليد العاقل وهو ممثل ومخرج مسرحي لأكثر من 40 عاماً نال فيها كثيراً من الجوائز ممثلاً ومخرجاً مسرحياً وفي رصيده أكثر من 35 عملاً و8 نصوص مسرحية كمؤلف.