عيد الدرويش: الاغتراب عن الهوية موجود في الموسيقا والغناء والإنتاج المعرفي
حمص- عبد الحكيم مرزوق
قدّم الباحث عيد الدرويش عضو مجلس اتحاد الكتّاب العرب محاضرة بعنوان “إشكاليات في الهوية والانتماء”، وذلك في مقر فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب بحضور جمهور من الأدباء والمهتمين ومتابعي الأنشطة الثقافية.
وقال الدرويش إن الإنسان يبحث عن الاستقرار النفسي والاجتماعي والعقلي، ومع تقدّم المعرفة أطلق على مجموعة الروائز والصفات اسم “الهوية”، وأن مصطلح الهوية جديد على الساحة الثقافية، وظهر في القرن التاسع عشر، ثم تحدث عن الانتماءات المتعدّدة للإنسان العربي ومنها الانتماء القومي الحضاري، والانتماء القومي مقابل المجتمعي (القبلي، الإثني، الديني، الطائفي) الذي أفرزته فترة الانحطاط اللاحقة، وفيما بعد تلاه الانتماء القطري والذي أفضى إلى فترة تثبيت السياسة القطرية التي أعقبت فترات الاستقلال، ورأى أن المصطلحات ولدت في إطار البنية الفوقية من نظريات وأحكام وقوانين ودساتير، لذلك كان لا بدّ من بنية تحتية تجسّد تلك الأفكار لأن ناتج وفعل البنيتين كل واحدة صدى للأخرى، فلا تتقدّم البنية الفوقية من دون تطور البنية التحتية والعكس صحيح.
وبعدها، تحدث الدرويش عن مصطلح الهوية والانتماء، وخصائص الهوية والانتماء، والعروبة والإسلام، ووجد في الخطاب الغربي مطالبة العرب بالتخلي عن هويتهم العربية والإسلامية، وهو في الوقت ذاته لا يطالب الإيراني والأفغاني بالتخلي عن هويتهما الإسلامية، وقال إنها الليبرالية الجديدة التي جاء بها الغرب وتتضمن أفكار وثقافة المصلحة الفردية، وحقوق الإنسان والديمقراطية، والتحول الجنسي، وكلّ ذلك لضرب الانتماءات وتشويه الأفكار وطمس الهويات لأن الغرب من دون هوية أو ماضٍ، وهذه الهويات هي التي تعيق عمله ومشاريعه الاقتصادية، ولذلك انطلق مشروعه المادي والمنفعي لتوجيه الفردية واستقلاليتها، وتجريدها بشكل كامل من ماضيها.
وفي إشكالية الهوية والانتماء، توصل الدرويش إلى أن الخلل الذي يصيب الهوية نتيجة الانزياحات في الانتماءات التي تنفصل عن الهوية، وهذا ما تسعى إليه أغلب الجهات الخارجية المعادية للهوية، وهذا يبدو واضحاً في أسلوب ومنهج الليبرالية والليبرالية الحديثة، لأنها تدرك أهمية ضرب المكونات الاجتماعية في البنيتين الفوقية والتحتية من خلال نشر أفكار الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية الفردية، وتوصل إلى قول إن الأزمات التي تحدث، اليوم، في المجتمعات ليست ناشئة عن أزمة هوية، لكنها أزمات مجتمعية متعدّدة ومتداخلة في جانبها المادي واللا مادي.
ووجد المحاضر أن الاغتراب عن الهوية في جوانب متعدّدة منها الموسيقا والغناء واللباس والتراث والإنتاج المعرفي والعلوم الأخرى، وقال: “إن طرح مسألة الهوية للتعبير عن الشعور بأزمة ليس مجدياً عندما نربط الهوية بالتراث بشكل متكامل، فهو تعبير عن محاولة البحث عن حلّ لتلك الأزمة بالرجوع إلى الماضي في الوقت الذي نبحث فيه عن هويتنا بأننا في الواقع إنما نبحث عن الإطار والمحتوى الذي يتعيّن أن نسعى من خلاله لتحقيق نهضتنا على أساس مفهوم الهوية”.
وختم الدرويش محاضرته بالحديث عن أكثر الطرق أهمية لتعزيز الهوية والانتماء وهي العمل على إيجاد صيغة تربط تلك الأفكار بالواقع، وإعادة النظر في مقومات السياسة التربوية والتعليمية التي أصابها النخر من الداخل، والاستفادة من الثورة الإعلامية ووسائل الإعلام، والعمل على إيجاد خطة اقتصادية واجتماعية متكاملة، مؤكداً أن للإعلام المقروء والمسموع والمكتوب، دوراً كبيراً في رفع مستوى الجماهير، وقال: “نحن لا نحتاج إلى المزيد من القوانين، بل يلزمنا تطبيق القوانين التي بين أيدينا”.