الرواية القصيرة.. كتبها كبار الكتّاب وتأخر النقد في تصنيفها
أمينة عباس
طرحت الندوة التي عقدها فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب بإشراف الدكتور إبراهيم زعرور، وجاءت تحت عنوان “الرواية القصيرة والتجريب في الأنماط السردية”، وشارك فيها الدكتور عبد الله الشاهر، والكاتبان محمد الحفري وأحمد الطاهر العديدَ من التساؤلات حول مصطلح الرواية القصيرة كجنس أدبي عاد إلى الظهور من جديد في المشهد الأدبي والتي يُطلق عليها اسم “نوفيلا” وهي كلمة إيطالية تعني الجديد، وقد بدا واضحاً من خلال ما طرحه مدير الندوة الأديب والإعلامي عماد نداف من أسئلة تتعلق بطبيعة عصرنا الحالي وصراعنا مع الوقت أهمية الإيجاز في الأدب: “المتلقي اليوم يفقد تركيزه بعد ١٢ ثانية من القراءة”، وتالياً هناك أهمية وضرورة لوجود هذا الجنس الأدبي الذي تتبَّع بداياته والجذور الأولى له في الإبداع العالمي.
الدكتور الشاهر قال: “تتفق غالبية الباحثين والنقاد المتخصصين في النقد الروائي، فضلاً عن أصحاب المعجمات الأدبية والسردية، على أن الحكايات العشر لـ”بوكاتيو” الإيطالي والحكايات السبع التي ابتدعتها “مارغريت دي نافار” زوجة الملك “هنري” الرابع في القرن السادس عشر الميلادي تمثل الجذور والإرهاصات الأولى للرواية القصيرة في الإبداع العالمي، في حين تتجلّى الإرهاصات الأولى للرواية القصيرة عربياً حسب أبو المعاطي الرمادي في مقامات بديع الزمان الهمذاني في القرن الرابع الهجري والتوابع والزوابع لابن شهيد ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري وحي بن يقظان لابن طفيل”، موضحاً أن الدافع لاختيار الرمادي هذه الأعمال لا يعود إلى أسبقيتها فحسب بل إلى تميّزها بالإيجاز والتكثيف، وتعبيرها عن مضامين جادة، وميلها أحياناً إلى السخرية اللاذعة المضحكة المبكية، وهذه المواصفات أمور شديدة الارتباط بالرواية القصيرة، لذلك يجعلها أعمالاً تقترب من المفهوم الحديث لها، مع تأكيده ما بيَّنه الرمادي من أن الرواية القصيرة عربياً لم تحظ بالاهتمام الذي حظيت به الرواية الطويلة أو القصة القصيرة لا من الناحية الإبداعية، ولا حتى من الناحية النقدية: “مورس على هذا النوع من السرد الإقصاء والتهميشن بل والاستلاب أيضاً عبر تذويبه أحياناً في أنواع حكائية أخرى وانتزاع هويته قسراً”.
ويشير الشاهر إلى أن الرواية القصيرة في الأدب العربي عُرفت في مرحلة متأخرة لأسباب لها علاقة بإشكالية المصطلح وعدم استقراره، ففي مصر “لم يوضع المصطلح على الخريطة الأدبية إلا في بداية النصف الثاني من القرن العشرين، إذ أصبحت الرواية القصيرة في الستينيات شكلاً روائياً جرّبه معظم الروائيين في تلك الفترة، واعتماداً على ما ذهب إليه الدكتور أبو المعاطي الرمادي في أطروحة الدكتوراه بيّن الشاهر أن خصائص الرواية القصيرة تتحدّد بـ: “حجم متوسط، وصف موجز فعال، شخصية واحدة وحدث محوري واحد، ملمع السخرية، فضاء خاص يتسم بالمحدودية، إثارة الأسئلة من دون الاهتمام بطرح أي إجابات، لغة مكثفة تقترب بالسرد من الشعر، التلميح والابتعاد عن التصريح، تقديم وجهة نظر خاصة للواقع من دون اشتراط أن تكون هذه الخصائص التي تتسم بها الرواية القصيرة جامعة بكل بنودها، إنما توسم الرواية القصيرة بسماتها، مع تأكيد الشاهر أن الرواية القصيرة وإلى يومنا هذا لم تأخذ حظها من النقد الذي يظهر مكانتها ويحدّد معالمها بين أنواع السرد الروائي، وأنه إذا تأخر النقد في تصنيف الرواية القصيرة فهذا لا يضيرها ولا يقلّل من شأنها لأن كبار كتّاب الرواية كتبوا الرواية القصيرة أمثال الألماني “توماس مان” الذي كتب “موت في البندقية”، و”أرنست همنغواي” صاحب “الشيخ والبحر”، وغسان كنفاني صاحب “رجال في الشمس”، ونجيب محفوظ “أفراح القبة”، وطالب عمران “البعد الخامس”.
وتراءى من خلال مداخلة للكاتب محمد الحفري أن الإشكالية بين الرواية القصيرة والقصة مازالت قائمة للتشابه بينهما في الطرح: “لم يتفق الأدباء والنقاد حتى الآن على عدد كلمات القصة، وهذه مشكلة تؤدي إلى التشابه بين القصة والرواية القصيرة”، مع تأكيده أهمية الرواية القصيرة كجنس أدبي في عصر السرعة والقراءة السريعة والمختصرة والابتعاد عن قراءة الأعمال الطويلة.
ورأى الكاتب والناشر محمد أحمد الطاهر في مشاركته، أن الرواية القصيرة تقوم على فعل مركزي يحتضن بقية الأفعال الأخرى تتميز بفضاء محدود من حيث الزمان والمكان، وهي نوع أدبي يغلب عليه طابع التكثيف من دون تفاصيل زائدة، وفي الوقت ذاته يحمل تقنية القصة الطويلة وتشتمل على خصائصها وتأخذ من الرواية سماتها ودلالاتها، لذلك سمّاها بعضهم الرواية المصغرة، مشيراً كمدير لـ”دار توتول للنشر” إلى أن الدار بالتعاون مع اتحاد الكتّاب العرب خصّصت مسابقتها السنوية للرواية في دورتها القادمة للرواية القصيرة التي يعدّها فناً قديماً وحديثاً في آن: “بلغت المشاركات حتى الآن تسعاً وخمسين مشاركة، وما زال هناك ما يقارب الشهر على نهاية موعد التقديم، وهذا يدلّ على أنّ الرواية القصيرة لها جمهورها وروّادها ومحبّوها”.