استثمار “الإعاقة”.. بين العالة والمُعيل..!
قسيم دحدل
لا شك أن ملف “ذوي الإعاقة”، ومشروع القانون الخاص بهم، وهو حاليا في مجلس الشعب، من التعقيد والتثقيل التشريعي والاجتماعي والاقتصادي، بحيث يتطلب مساهمة كلية من الجميع، سواء في القطاع العام أو الخاص، وعلى كافة المستويات..
لن ندخل في تفاصيل مشروع القانون وما لمسناه من الجهد والعمل والوقت الذي بُذل في إعداده وصياغته حتى خرج مبدئيا بالشكل والمضمون المناسبين وبما يتناغم مع خصوصية الحالة السورية، إذ لا تزال وزارة الشؤون والعمل تفسح المجال لأي رأي أو طرح يساهم في لفت الانتباه إلى نقص هنا، أو مأخذ هناك، حتى يتم تداركه في القانون.
وسوف نحاول، هنا، ولو بشكل مقتضب، تناول القانون في بعده الاستثماري والمالي وإمكانية انعكاس ذلك إيجابيا على تطوير المؤسسات العامة للدولة من خلال تغيير المفاهيم والمصطلحات الخاطئة التي كانت تنظر للمعاق بوصفه عالة، وللإعاقة بوصفها عبئا اجتماعيا واقتصاديا، بدلا من أن تنظر إليهما إنتاجياً، وذلك من خلال تهيئة وتوفير البنى التشريعية والمؤسساتية والمالية التي تمكن من ترجمة ذلك إلى واقع ملموس..
ولعل أولى خطوات الانتقال إلى “الإعاقة المنتجة”، إن جاز لنا التعبير، تتمثل في التعليم عامة، والتعليم العالي خاصة، حيث تم إقرار رسالات ماجستير في مواضيع الإعاقة عبر اتفاقية سيتم توقيعها ما بين وزارة الشؤون والجامعة الإفتراضة في هذا الشأن..
الآن، نأتي للجانب الاستثماري والمالي؛ فبعد سؤالنا عن الجانب التمويلي ومقدار ما ينفق سنويا في هذا المجال، كشف لنا وزير الشؤون أن أكثر من 3 تريليون ليرة سنويا قابلة للزيادة، تم إنفاقها من قبل المؤسسات والمنظمات والجمعيات غير الحكومية في قطاع الاستشفاء الخاص، أي دفعها للمستشفيات الخاصة في سورية، بينما ولا ليرة واحدة تم دفعها في المستشفيات العامة..!؟
ثلاثة تريليونات ليرة – قابلة للزيادة – تضعنا أمام سؤال مؤلم وهو: إلى متى ستظل الدولة والحكومة تتعب وتتكلف على إعداد وإقرار القوانين التي تذهب جلًّ نتائجها إلى جيوب القطاع الخاص من دون أن يكون للقطاع العام الحصة التي يستحقها على الأقل..؟!
مبالغ.. الأحرى بنا، وبقوانيننا، أن تصب في مستشفياتنا العامة، كونها تتحمل كل العبء الإستشفائي والعلاجي شبه المجاني، خاصة وأنها في أشد الحاجة لتلك الأموال كي تستطيع النهوض بمسؤولياتها الصحية والتطويرية لقطاعنا الصحي العام ومؤسساته ومراكزه ومستشفياته، بشريا وماديا وعلميا، إذ كيف يعقل أن يتحمل قطاعنا العام منفردا مسؤولية وواجب توظيف أصحاب الإعاقة، بينما القطاع الخاص بمستشفياته ومراكزه معفي من هذه المسؤولية الاجتماعية والاقتصادية، وهذا الواجب الأخلاقي (أين أصبح تطبيق العشر الطبي في المستشفيات الخاصة)!؟
برأينا أن معالجة وفلاح ملف “الإعاقة” في سورية، للوصول إلى ما نأمله..، يبدأ من إصلاح ملفه المالي والإداري، وهذا لا يزال دونه العديد من المعيقات والصعوبات والتحديات المزمنة والظرفية، فعلى سبيل المثال 30% من المعينين فيجهات الدولة تحت مسمى ” أصحاب إعاقة” هم غير مستحقين حسبما أكد وزير الشؤون والعمل..!.
إن وجود المجلس الأعلى للإعاقة في سورية، وتكليفه بإدارة ملف ” أصحاب ذوي الإعاقة”، وتحديد مهام ومسؤوليات كل وزارة وجهة عامة وخاصة، هو خطوة اختبار أكثر من كونها خطوة إقرار جازم بأن ما أعددناه من قانون” إعاقة” كفيل بأن يجعل “البحر طحينة” كما يقال.. فالتعويل أولا وأخيرا على المجتمع وقيمه المعنوية والمادية التي – إن صحّت وصُلحت صحّت قوانينه، خاصة بعد أن أفرزت الحرب إعاقات لم تكن موجودة كـ “كالإعاقة المالية” التي يعانيها حاليا معظم السوري،ين والتي نرى فيها معيقاً كامل الأوصاف لكل شيء..!!
Qassim1965@gmail.com