الوزراء البريطانيون في دائرة الاتهام
هيفاء علي
عادت جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية وقدّمت شكوى مرة أخرى ضد “إسرائيل” حول تصعيدها حملة “الإبادة الجماعية” من خلال عدوانها الأخير على رفح.
ومن المهم ملاحظة حقيقة أن الدفاع عن حقوق الإنسان يتم ضمانه الآن من دول الجنوب العالمي التي تحل محل دول الناتو، التي صمتت بشكل غريب في مواجهة الإبادة الجماعية الصهيونية الواضحة.
واستيقظت المحكمة الجنائية الدولية أخيراً من خلال إصدار مذكرات اعتقال بحق كل من بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت وتقديم طلبات لإصدار مذكرات اعتقال فيما يتعلق بالوضع في دولة فلسطين. لقد قامت بهذا الإجراء على الرغم من التهديدات التي وجّهها اثنا عشر من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الذين “يؤمنون” بالعدالة الدولية ولا يدعمونها إلا عندما يناسبهم ذلك.
وحسب محللين غربيين، فإنه يتعيّن الآن على المحكمة الجنائية الدولية أيضاً التحقيق مع الوزراء البريطانيين، ومع قيام المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتقديم طلب لإصدار مذكرة اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فلا بدّ أن يتحوّل الاهتمام إلى أولئك الذين ساعدوا ودعموا “إسرائيل”، وما زالوا يساعدونها، حيث قدّم وزراء بريطانيون مساعداتٍ مادية لـ”إسرائيل” خلال عدوانها الأخير والمتواصل على الفلسطينيين في غزة. ويتم تقديم هذا الدعم بثلاث طرق رئيسية، أولها، قيام المملكة المتحدة بتزويد “إسرائيل” بالأسلحة، وهذا ما كشفت عنه وثائق المحكمة المرفوعة حديثًاً، مشيرة إلى أنه بدءاً من كانون الثاني من هذا العام، كان لدى حكومة المملكة المتحدة 28 ترخيصاً نشطاً و28 ترخيصاً معلقاً لـ”أسلحة عالية الخطورة” مع “إسرائيل”.
وفي كانون الثاني، قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلية مجمّعاً سكنياً في غزة يضم فريق الطوارئ الطبي التابع لجمعية المساعدة الطبية للفلسطينيين، وهي جمعية خيرية بريطانية. وأصيب أربعة أطباء بريطانيين في الغارة الجوية، بالإضافة إلى أفراد وكالة المغرب العربي للأنباء وحارس شخصي، ونفّذ الهجوم طائرة من طراز إف-16 قامت شركات بريطانية بتوريد مكوّناتها. والمملكة المتحدة تواصل تسليح “إسرائيل”، رافضة الدعوات المتكرّرة من مجموعات الحملات وقضاة المحكمة العليا السابقين وبعض النواب لوقف ذلك.
وفي الطريقة الثانية، واصل الجيش البريطاني تدريب أفراد من قوات الاحتلال في بريطانيا أثناء ارتكاب الإبادة الجماعية. واعترفت الحكومة بأن “هناك حالياً ستة ضباط من قوات الاحتلال متمركزين في المملكة المتحدة.
أما في الطريقة الثالثة والأخيرة، فيقوم الجيش البريطاني بتنفيذ رحلات تجسسية فوق غزة لدعم “إسرائيل”، حيث أظهرت الوثائق التي رفعت عنها السرية أن سلاح الجو الملكي قام بأكثر من 200 مهمة مراقبة فوق غزة، من المحتمل أنها جمعت حوالي 1000 ساعة من لقطات المراقبة، ولا يتم استخدام أي من أنشطة التجسس هذه لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على الفلسطينيين.
وتزعم الحكومة البريطانية أن أنشطة المراقبة هذه تهدف فقط إلى المساعدة في إطلاق سراح الأسرى لدى حركة المقاومة حماس.
ويرفض الوزراء البريطانيون تقديم معلومات مفصّلة عن مجالات النشاط الثلاثة هذه إلى البرلمان، لتجنّب الملاحقة القضائية بتهمة التواطؤ في جرائم الحرب. فعلى سبيل المثال، ترفض وزارة الدفاع البريطانية تزويد البرلمان بمزيد من المعلومات حول تدريبها جنود وضباط الاحتلال في بريطانيا أو حول اتفاقية عسكرية موقعة مع “إسرائيل” في عام 2020.
وبالمثل، ترفض الحكومة البريطانية أيضاً تقديم تفاصيل عن رحلات التجسس فوق غزة، التي بدأت في 3 كانون الأول، إذ تظهر وثائق المحكمة أن الوزراء البريطانيين قرّروا مواصلة تصدير الأسلحة إلى “إسرائيل” في 8 نيسان، أي بعد أسبوع من الغارة التي أسفرت عن مقتل ثلاثة عمال إغاثة بريطانيين. وفي التاريخ نفسه أيضاً، بدأت المملكة المتحدة جولتها الأخيرة من المفاوضات مع الوزراء الإسرائيليين للاتفاق على صفقة تجارية جديدة.
وهكذا، بدلاً من معاقبة “إسرائيل” على جرائمها في غزة، تعمل المملكة المتحدة على تعميق علاقاتها التجارية. وبالتالي، ليس هناك عملياً أي فرصة لأن يقوم النظام البريطاني بمحاسبة الوزراء على تواطئهم في جرائم الحرب، وخاصة أنهم محميون بموجب “حصانة التاج”.
والغرض الأساسي من المحكمة الجنائية الدولية هو التحقيق معهم ومحاكمتهم، بما في ذلك بتهمة التواطؤ، في أخطر الجرائم ضد الإنسانية عندما ترفض السلطات الوطنية التحرّك. وتتطلب الاتفاقية الدولية للإبادة الجماعية من جميع الدول منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ويسلط مبدأ المسؤولية عن الحماية، الذي اعتمدته جميع الدول في عام 2005، الضوء على مسؤولية الدول عن منع “الجرائم الفظيعة” مثل جرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية.
ولا يقتصر الأمر على فشل الوزراء البريطانيين في احترام هذه المعايير، بل إنهم يدعمون بنشاط صنّاع القرار الإسرائيليين الذين ينتهكون هذه المعايير. ليس هذا فحسب، بل دافع الوزراء البريطانيون باستمرار عن العدوان الإسرائيلي المتكرر على مر السنين على الفلسطينيين الذي خلّف عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى.
إنهم يرفضون صراحة اتهامات الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد “إسرائيل” أمام محكمة العدل الدولية، وتشير الأدلة إلى أن الوزراء البريطانيين لا يهتمون ببساطة بالقانون الدولي أو عدد الشهداء الذين سقطوا في غزة.
وفي الوقت نفسه، ترفض الحكومة البريطانية نشر النصائح القانونية التي تلقتها بشأن ما إذا كانت “إسرائيل” تنتهك القانون الدولي في غزة، ويقول كبير المدّعين العامين، المحامي البريطاني كريم خان: إن لديه “أسباباً معقولة للاعتقاد” بأن الوزيرين الإسرائيليين “يتحمّلان مسؤولية جنائية” عن جرائم، بما في ذلك “تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب”، و”حقيقة توجيه الاتهامات عمداً إلى إسرائيل”.
وهكذا، وحسب المحللين الغربيين، من المقرّر أن يخضع ريشي سوناك، كرئيس للوزراء، إلى جانب وزير الخارجية ديفيد كاميرون ووزير الدفاع جرانت شابس ووزير التجارة كيمي بادينوش، وجميعهم يوافقون على صادرات الأسلحة البريطانية إلى “إسرائيل”، إلى التحقيق بتهمة التواطؤ في جرائم حرب. ومن غير المرجّح أيضاً أن يفلت من اهتمام المحكمة الجنائية الدولية نائب وزير الخارجية أندرو ميتشل، الذي عمل كزعيم حكومي مدافعاً عن جرائم “إسرائيل” في البرلمان البريطاني.
ولا يرجّح هؤلاء المحللون أن يفلت وزير الدفاع ليو دوهرتي ووزير الخارجية السابق جيمس كليفرلي، وزير الداخلية الحالي، اللذان ساهما في قرارات الحكومة البريطانية بشأن السياسة تجاه “إسرائيل” ، من الملاحقة القضائية.