دراساتصحيفة البعث

  الانتخابات تكشف حجم الصراع بين بايدن وترامب

 ريا خوري 

بعد عدة جولات ساخنة من الحوار والنقاش داخل الحزب الجمهوري الأمريكي، تم التوافق على اختيار الرئيس السابق دونالد ترامب، مرشحاً  قوياً ووحيداً باسم الحزب في الانتخابات الرئاسية القادمة، وفي هذا السياق ظهر العديد من ردود الفعل على ذلك الترشيح، ما حدا بعدد كبير من أعضاء الحزب الديمقراطي أنّ يعدّوا صدور ذلك النبأ هو الأسوأ، وفي مقدمتهم الرئيس الحالي من الحزب الديمقراطي، جو بايدن، وخاصة أنَّ هناك حالة خاصة من العداء الظاهري والباطني بين بايدن وترامب، فالرئيس بايدن مقتنع تمام القناعة أنَّ سباق الانتخابات الرئاسية القادمة بوجود ترامب سيفرض حالة من عدم اليقين بفوز الرئيس بايدن، لأن ترامب يملك القدرة على الطعن بأي نتيجة انتخاب لا تكون لمصلحته، ولذلك لا يقبل أن يعود بايدن إلى البيت الأبيض، فقد شهدت انتخابات الرئاسة السابقة التي جرت عام  2020م صراعاً حاداً حول تزوير نتائج الانتخابات. تلك الحادثة دفعت الرئيس بايدن إلى أن يقول ضمن تصريح له: إنه سيفوز بولاية ثانية في الانتخابات القادمة، وإنَّ دونالد ترامب منافسه من الحزب الجمهوري لن يقبل بالنتيجة التي ستصدر، هذا التصريح لم يكن عبثاً أو عفو الخاطر، بل جاء بعد تأكيد الرئيس السابق أنه إذا جرت الانتخابات الرئاسية بنزاهة تامة فسأقبل النتائج بكل قناعة، لكن إن جرت الانتخابات على أسس وقواعد غير نزيهة فبالتأكيد لن أقبلها وسأعمل بكل ما أملك للتصدي لها.

تتجه التوقعات إلى أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية على موعد مع منافسة حادّة تضع من جديد الرئيس بايدن من الحزب الديمقراطي، في مواجهة مع، الرئيس السابق ترامب من الحزب الجمهوري، ولن يكون السباق تقليدياً كما كان في العهود السابقة، بل سيمثِّل صراعاً حاداً بين رؤيتين متضادتين لفكرة الولايات المتحدة الأمريكية ومستقبلها.

وعلى الرغم من أنَّ الرئيس الحالي يتمتع بإرث طويل من الخبرة السياسية كرجل مخضرم، له دوره الكبير وبصماته في السياسة الأميركية على مدى أكثر من أربعين عاماً، إلَّا أنَّه يشترك مع الرئيس السابق في أنهما عاشا تجربة الرئاسة الأميركية، ويعرفان جيداً ما يعني أن تكون رئيس أقوى بلد في العالم.

إنَّ المنافسة الساخنة على الرئاسة الأميركية في انتخابات شهر تشرين الثاني المقبل، لن تكون تقليدية أبداً، بل هي صراع بين حزبين رئيسيين الديمقراطي والجمهوري، ورئيسين مختلفين تماماً، رئيس الولايات المتحدة الأميركية الزرقاء، وما يمثله ذلك من اتجاه نحو الانفتاح والليبرالية بأوسع أبوابها، مقابل رئيس الولايات الحمراء، الذي يدعم التيار المحافظ في رؤية الولايات المتحدة داخلياً وخارجياً.

في هذا السياق يمكن أن نجد كل الأدوار التي قام بها ترامب داخلياً وتحديداً تشجيعه لعملية الانقلاب الداخلي الذي أطاح بــ(كيفن مكارثي) رئيس مجلس النواب الأمريكي العام الماضي، بعد أن أبرم صفقة مع الرئيس بايدن بشأن الموازنة وتمويل الحكومة بالأموال اللازمة، وهذا يعني أن للرئيس ترامب تأثيراً كبيراً يحاول استخدامه كسلطة وكأنه يجلس في البيت الأبيض. وقدّم ترامب المشورة لرئيس البرلمان الحالي، مايك جونسون، حول كيفية التعامل الجاد والعملي مع ملف سياسة الحدود والمساعدات الأمنية والعسكرية لأوكرانيا، أي أنَّ له سلطة يبدو أنها ما زالت قوية في المفاوضات التي تجري بين البيت الأبيض ومجلس النواب. وهذا يدلِّ أنَّ هناك رؤيتين متباينتين إلى حدٍّ كبير، حيث يرى بايدن الولايات المتحدة تحتضن التنوّع والمؤسسات والإدارات والهيئات الديمقراطية والأعراف التقليدية، التي تعدّ الحكومة الأمريكية في أفضل حالاتها قوة من أجل الخير في المجتمع الأمريكي، بينما يقود ترامب ثورة على ما يعدّه النظام الفاسد بسبب المؤامرات المظلمة، والفساد، والتمييز بين الموظفين الكبار، وتفضيل من لا يستحقون على الأشخاص العاديين الذين يعملون بجد واجتهاد دون كلل أو ملل.

من هنا كانت عودة ترامب لمنافسة بايدن كابوساً وهاجساً للرئيس بايدن وحملته الرئاسية، وحالة التحدّي الانتخابي في الداخل الأمريكي، وفي السياسة الخارجية بكل تعقيداتها ومآلاتها لتنافس على الصدارة مع الأوضاع الداخلية المتفاقمة لحسم مسار الانتخابات، وخاصة أنَّ الناخب الأمريكي بات يولي اهتماماً كبيراً للقضايا الاقتصادية وانعكاسها على حياة المواطنين المعيشية، وبدأ يهتم بشكلٍ لافت بشؤون الهجرة وقضية (حق الإجهاض) وغيرها كثير، كما اهتم الناخب الأمريكي بقضايا السياسة الخارجية، وكيفية إدارة الولايات المتحدة الأمريكية لانعكاسات هذه القضايا على المصالح الأمريكية وخاصة بالنسبة إلى الأزمة الأوكرانية الساخنة التي احتلت مساحة واسعة من السياسة الأمريكية، وانعكاساتها على العلاقات الأمريكية – الأوروبية، ومستقبل العلاقة مع روسيا الاتحادية، وموقف الولايات المتحدة من التحالف الاستراتيجي بين الصين وروسيا، وكذلك الصراع المتفجر في منطقتنا العربية بشكلٍ خاص وبالتحديد الحرب العدوانية التي يشنّها الكيان الصهيوني ضدَّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتعريضه لأخطر عملية إبادة جماعية وتطهير عرقي. الجدير بالذكر أنَّ المجتمع الأمريكي والناخب الأمريكي لا يهتم بما جرى ويجري في قطاع غزة، لكن الانقسام الحاد بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول الدعم الأمريكي العسكري واللوجستي غير المحدود للكيان الصهيوني كان واضحاً، حيث وجد بايدن نفسه في ورطة عالمية، أخلاقية، لأن الدعم للكيان الصهيوني يعمل على كسب أصوات جماعات الضغط اليهودية (إيباك)، بينما الضغوط الشعبية الهائلة والمحسوبة على الحزب الجمهوري تطالب بوقف فوري للحرب ضد قطاع غزة وقتل الأطفال والتدمير الممنهج بالأسلحة الأمريكية الفتّاكة.

هنا وجد بايدن نفسه في مواجهة الهجوم القاسي من الجمهوريين، وخاصة ترامب الذي سارع إلى اتهام بايدن الديمقراطي بالوقوف إلى جانب المقاومة الفلسطينية عندما صرَّح بتعليق صفقات ذخائر نوعية وأسلحة فتاكة للكيان، إذا تورّط الكيان في اجتياح مدينة رفح المكتظة بأكثر من مليون ونصف مليون لاجئ فلسطيني.

إنَّ القائمين على الحملة الانتخابية للرئيس بايدن اضطرّوا لتوجيه الحزب الديمقراطي باتجاه التعامل مع السود والشباب والطلاب والجاليات الإسلامية لأن الكيان الصهيوني بدأ يشكّل عبئاً كبيراً على بايدن، لذا زار كلية (مورهاوس) في اتلانتا عاصمة ولاية جورجيا وهي مؤسَّسة عريقة مخصصة للسود في الولايات المتحدة، وشارك في حفل تخرّج الطلاب الذين رفع معظمهم العلم الفلسطيني وكان ذلك بمنزلة صدمة له ورفض لسياساته.

لقد تجاوز ترامب وبايدن التقاليد الرئاسية المتبعة في النظام السياسي الأمريكي، وباتت الشتائم تحكم تلك العلاقة، حيث وصف ترامب منافسه بايدن بأنه رجل مملوء بالهراء وأسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه غير لائق بدنياً ونفسياً، ليكون رئيساً لأكبر دولة في العالم.