الثقافة الورقية والإلكترونية ومواجهة الحرب السيبرانية
أمينة عباس
لم يعد بالإمكان تجاهل المتغيّرات التي تطرأ على مجتمعنا وسلوكيات أفراده، ولاسيما الجيل الشاب الذي زامن التطور الكبير للتكنولوجيا التي حرفت مسارات عديدة كانت بالنسبة للأجيال السابقة نظام حياة.. من هنا حاولت الدكتورة ميس إسماعيل- قسم المكتبات بجامعة دمشق، والشاعر جهاد الأحمدية من خلال ندوة “الثقافة الورقيّة والثقافة الإلكترونيّة ومواجهة الحرب السيبرانية” التي عُقدت، مؤخراً، في المركز الثقافي (أبو رمانة) بإدارة الشاعر محمد الخضر أن يكونا واقعيين من دون أن يغرّدا خارج سرب هذا العصر ومتطلبات هذا الجيل، فلم يستهجنا أو يهاجما التبدلات التي طرأت على الأساليب التي يتّبعها هذا الجيل للوصول إلى حاجاته المادة والمعنويّة ومنها الحاجات الثقافيّة، إيماناً منهما بأن الهجوم والرفض لا يمكن أن يلغي حقيقة وجود هذه الأساليب وتسيّدها في حياة أفراد المجتمع، لكن مع تأكيد أهمية الكتاب الورقي تقول إسماعيل: “وصلت علاقة الأسلاف بالكتاب الورقي إلى درجة العشق عند بعضهم، لكن على الرغم من جميع التطورات التقنية والتكنولوجية، لكن الكتاب الورقي بقي محافظاً على قيمته، والبعض يفضلونه على الكتاب الإلكتروني”.
وعن المقارنة بين مصطلحَي “الثقافة الورقية” و”الثقافة الإلكترونية” تضيف إسماعيل بأن كليهما يقدم المعلومة بطريقته، لكن المعلومات التي نحصل عليها من الكتاب أكثر أماناً من المعلومات التي نحصل عليها من الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي التي تتيح المجال لوضع معلومات قد تكون غير صحيحة، فليس كل موقع إلكتروني أو وسيلة تواصل تعدّ مصدر معلومات، وعلينا الحرص الشديد في تحديد الوسيلة الأفضل للوصول إلى المعلومات، وهنا تبرز أهمية الأمن المعلوماتي منعاً من اختراقات لحرمة الحياة الخاصة أو الوصول لبيانات الحاسوب غير المصرح لنا بالوصول إليها، وكذلك حالات الابتزاز والتنصت والتجسس والاعتداء على الأخلاق والاتجار بالبشر والاستقطاب والتجنيد في التنظيمات الإرهابية، فمن الضروري أن ينبّه الأهل أولادهم بشكل مستمر على كل المخاطر، خاصةً وأن التنظيمات الإرهابية اعتمدت بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد الشباب واستقطابهم عبر ألعاب الفيديو التي تمّ التواصل معهم من خلالها لإقناعهم بأفكار ومعتقدات غير أفكارنا ومعتقداتنا.
وأشار الشاعر جهاد الأحمدية إلى الإرباك التي أحدثته الثقافة الإلكترونية: “اختلفت القيم وتغيرت المقاييس بشكل جنوني، ما أدى إلى تخبط المجتمعات في محاولة اللحاق بهذا التسارع على الرغم من صعوبة مثل تلك العملية على الشعوب ذات القدرات المحدودة، فكيف الأمر ونحن اليوم نتعرّض لغزو شرس يقوده الذكاء الاصطناعي الذي يسلب الكائن البشري دوره ومسوغات وجوده، فاتسعت الهوة بين المجتمعات وانقسمت إلى مجتمعات صانعة للتقنيات الفائقة والمصدرة لها، ومجتمعات مستهلكة لتلك التقنيات التي باتت تخترق خصوصيات البلدان المستهلكة وتحولها إلى أداة طيعة في معاداة عاداته وتقاليده والتنكر لقيمه ومقدساته”.
ويستطرد الأحمدية معرفاً بثقافة الإنترنت: “ظهرت في عصر المعلومات نتيجة لاستخدام شبكات الحاسوب، وهي ثقافة ليست جغرافية بل إدراكية واجتماعية وناتجة عن أناس متشابهين في العقلية بحثوا عن مكان مشترك للتفاعل فيما بينهم، وهي أكثر هشاشة من الأشكال التقليدية للمجتمعات والثقافات”، لكن ما معنى كلمة السيبراني؟، يجيب: “إنها ترمز إلى علم التحكم الآلي وهو الوسط الذي توجد فيه جميع شبكات الحاسوب ويحصل من خلالها التواصل الإلكتروني والذي يملك خاصية الهجوم من خلال إلحاق الضرر عمداً بشخص أو بمجموعة أشخاص أو مؤسسة عن طريق شنّ هجوم على نظمهم الرقمية لسرقة البيانات أو التطبيقات التي يعدّونها سرية ويعتمدون عليها، أو العبث بها أو تعطيل الوصول إليها أو تدميرها عبر تثبيت البرامج الخبيثة والفيروسات الضارة، لذلك أوجد ما يُسمّى بالأمن السيبراني وهو ممارسة حماية أجهزة الكمبيوتر والشبكات والتطبيقات والأنظمة المهمّة والبيانات من التهديدات الرقمية المحتملة، باعتماد تدابير وأدوات الأمن السيبراني من أجل حماية البيانات الحساسة من الوصول غير المصرّح به، وحدوث الاختراق والحصول على وصول غير مصرّح به إلى نظام كمبيوتر أو شبكة أو منشآت متصلة يُسمّى هجوماً سيبرانياً إن كان متعمّداً، ويؤدي هذا الهجوم الناجح إلى الكشف عن البيانات السرية أو سرقتها أو حذفها أو تغييرها.
وبصفته شاعراً، ما يزال الأحمدية مؤمناً بأن الشعر عصيّ على المتطفلين لعلو أسواره وصعوبة إدراك الجيد منه إلا لمن توافرت لديه الموهبة وامتلك أدواته الفنية بشكل جيد، يقول: “كان الشعر يلقى شفاهياً أمام جمع من الناس ويحفظ في الذاكرة الفردية والجمعية وينتقل من جيل إلى جيل بهذه الطريقة، وبعد أن أتقن البشر الكتابة أصبح ينتقل عبر النصوص المكتوبة على كل ما كان يتوافر من مواد مناسبة إلى أن صُنع الورق ومنها كانت تسمية الثقافة الورقية”.
ولم يخفِ مدير الندوة الأديب محمد الخضر في تصريح لـ “البعث” انحيازه التام للثقافة الورقية التي لا يمكن الاستغناء عنها بأيّ شكل من الأشكال: “لا يمكن الاعتماد على ثقافة يمكن أن تتوقف عن العمل بلحظة وينتهي كل شيء”، وعلى الرغم من معرفته لسلبيات الثقافة الإلكترونية التي تُلحق الضرر بالشرائح الاجتماعية، لكنه مؤمن بضرورة مواكبة التطورات، مع المحافظة على الكتاب الورقي بما يخلده ويوثّقه”.