دراساتصحيفة البعث

بريطانيا فاشلة مؤسّساتياً

أثار نشر نتائج التحقيق العام في فضيحة الدم الملوّث في المملكة المتحدة مؤخراً غضباً واسع النطاق، إضافة إلى أن كراهية البريطانيين قد ازدادت بسبب الوعي العام بأن هذه الحادثة ليست سوى الحادثة الأحدث في سلسلة من الفضائح التي تظهر الازدراء الذي تحمله الطبقات الحاكمة في البلاد لمفاهيم العدالة، والخدمة العامة، والعناية الواجبة، والشفافية، وحتى المواطنين الذين من المفترض أن يخدموهم، فإن بريطانيا من الناحية المؤسسية، تعدّ دولة فاشلة.

إن حجم الإهمال كبير بقدر ما هو فاضح، حيث تعدّ فضيحة الدم الملوّث هي الأحدث، على الرغم من أن جذورها بدأت منذ ما يقرب من 50 عاماً عندما تم تقديم منتجات الدم الخطيرة، المستوردة من الولايات المتحدة بعد التبرّع بها من مدمني المخدرات أو السجناء مقابل المال، إلى 30 ألف مريض بريطاني، ما تسبّب في وفاة 3000 شخص. تم إخبار المصابين أنهم تلقوا أفضل علاج ممكن، ونفى المسؤولون ارتكاب أيّ مخالفات، وتم إتلاف السجلات.

وعندما اعتذر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك عن التقصير والإهمال، قال: إنه “يوم عار للدولة البريطانية”. في بعض الأحيان، يبدو الأمر وكأن المملكة المتحدة عالقة في حلقة مفرغة مستمرة من الفظائع البيروقراطية. واحدة من أسوأ تلك الفضائح فضيحة مكتب البريد، التي شهدت محاكمة أكثر من 900 من مديري مكاتب البريد الأبرياء بتهمة السرقة والاحتيال على مدى 16 عاماً حتى عام 2015، على الرغم من إدراك رؤسائهم تماماً أن خطأ الكمبيوتر كان مسؤولاً عن المشكلات. لكن رغم ذلك تم تدمير حياة الناس وحتى سجنهم. وقد وُصفت هذه الحادثة بأنها واحدة من أكبر حالات الإجهاض للعدالة في التاريخ البريطاني.

الملامح الرئيسية للقصة هي أن الأشخاص العاديين الأبرياء عانوا من أجل الحفاظ على النظام الذي يكافئ رؤساءهم بشكل كبير، وكانت الإدارة تظهر مراراً وتكراراً ازدراءها للعمال، وتنكر الحقائق التي كانوا يعرفون أنها حقيقية، وتآمرت للتغطية على إخفاقاتهم.

وفي عام 2017، توفي 72 شخصاً عندما اشتعلت النيران في مبنى برج غرينفيل السكني في لندن، إلا أن شرطة العاصمة وبعد 10 سنوات من المأساة، اعترفت بأنه قد تتم محاكمة 58 فرداً و19 منظمة، ولكن ليس حتى عام 2027 على أقرب تقدير.

وفيما يتعلق بفضيحة الدم الملوّث فإن ما لا يمكن إنكاره هو أن جوهر المشكلة كانت قبول الشركات الأمريكية بأنه من المقبول الحصول على إمدادات الدم من الأفراد المعرّضين لمخاطر عالية مثل مدمني المخدرات والسجناء، الذين امتثلوا بكل سرور لأن ذلك كان يكسبهم المال. إن صحة الشركات هي أهم من صحة المرضى.

قدّم تقرير التحقيق في الدم الملوّث إدانة دامغة للأدوات المؤسسية التي سمحت بحدوث الفضيحة، والتي مكّنت من التستر، وسمحت للسياسيين بتكرار الأكاذيب لسنوات عديدة. ويبدو أن مفهوم الخدمة العامة في كثير من الأحيان لا يعني الكثير بالنسبة لأولئك الذين من المفترض أن تكون وظيفتهم هي إدارتها.

إن ما تكشفه فضيحة الدم الملوّث إلى جانب الفضائح الأخرى، من خلال عملية تآكل تدريجي تقريباً، هو أن بريطانيا فاشلة مؤسسياً وغير قادرة على تنظيم وإدارة شؤون مواطنيها، ويديرها أشخاص يستخدمون أدوات السلطة لتحقيق مصالحهم الخاصة، ولا يخدمون مصالح البريطانيين، وهو أمر غير أخلاقي، لكن بالنسبة للطبقة الحاكمة في بريطانيا، هذه هي الطريقة الطبيعية للقيام بالأشياء.

الدراسات