مشروع رائد ينتج بطولات عالمية في رفع الأثقال.. ومزاعم الدعم والتبجح كثيرة
حلب – محمود جنيد
شعر الجمهور الرياضي بحركة “هيدروليكية” ترفع أنقاض وركام خيبات الفشل عن صدرها لتتنفّس معها الصعداء، وتحت تلك الأطلال تكشّفت خبيئة الكنز الدفين، لتفيض العيون من وهج بريق الذهب والفضة وتقشعر الأبدان وتجحظ الألحاظ متنبهة على وقع صرخة النصر المدوية العابرة للحدود والقارات، قادمة من “البيرو” التي فلّ فيها رباعونا حديد التحدي، ورفعوا أثقال الفوز ورايات الوطن على ساريات بطولة العالم للناشئين لرفع الأثقال، بسواعد البطلين محمد الكاتب وأحمد شماع اللذين تقلدا ثلاث ميداليات، ذهبية وفضيتين.
الجميع، ورغم انبعاثات دخان التلوث الأخلاقي الذي خنق الروح الرياضية في ملاعبنا وصالاتنا، كان قبلها يلهث في الاتجاه المعاكس خلف سراب لعبتي القدم والسلة المنحرفتين باحترافهما المدمّر، والمتناحرتين بين وجهائها على لقب الأكثر شعبية، في وقت كانت بذرة البطولة وبعيداً عن الاهتمام الجماهيري تنمو في الأرض المخصبة بجهود المخلصين وتروى بقطرات عرق الأبطال المنجزين، لتثمر ميداليات وألقاباً عالمية بإمكانات لا تضاهي ما يتقاضاه أسوأ لاعب من محترفي القدم والسلة.
إنجاز الرباعين السوريين الحلبيين، الكاتب وشماع، بطبيعة الحال لم يكن طفرة على غرار المعتاد في رياضتنا ولم يأتِ من فراغ العدم، وهذا ما يجب أن نعيه تماماً قبل كلّ شيء، بل تمّ التخطيط له في مصنع الأبطال الذي وضعت أساساته في زمن أزمة الحرب التي قبعت حلب تحت نيرها، وكنّا من الأشخاص الذين شهدوا على ولادة المشروع الرائد الذي انطلق تحت مسمّى “مشروع البطل الواعد”.
وللأمانة، فقد شعرنا في المرحلة الأولى بالغلو والمبالغة تجاه الأهداف الموضوعة في ظلّ الظروف القائمة، لكن وبالمقابل هناك معطيات معنوية دفعتنا للتصديق الانطباعي بأن الأمر سيحدث والثمرة ستزهر حتى قبل أن نقرأ سيناريو خطة العمل، وتتلخّص تلك المعطيات بـ( الطموح المشع، جموح التحدي، الإيمان، العزيمة، الاصرار، الشغف…) الذي صدّره لنا صاحب الفكرة ومدير المشروع ومن وقف معه وخلفه ودعم الفكرة وساهم في إطلاقها مع تأمين المعدات والتجهيزات والأمور اللوجستية وموقع التدريب.
أولى الخطوات بدأت بالبحث عن الخامات المناسبة لممارسة اللعبة (ذكوراً وإناثاً) وضمن المعايير المطلوبة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية؛ كان ذلك كما أسلفنا في فترة حساسة من أزمة الحرب التي لفّت محافظة حلب ومن رحمها ولدت تلك الإنجازات العالمية، وتمّ تأمين مركبة خاصة لنقل المتدرّبين، إضافة لوجبات ومشروبات بعد كل تدريب، كذلك الحوافز للمتفوقين وبطولات واحتكاكات مرحلية ومتابعة دراسية.
ولأن الطموح والهدف المنشود يحتاج أيادي أمينة توصل إليه، فقد تمّ اختيار كادر من المدرّبين الوطنيين، من بينهم صانع الأبطال المربي القدير أحمد أورفه لي ضمن طاقم العمل التدريبي إلى جانب مدير المشروع، والمدرّب الوطني والبطل الدولي الأسبق عبد الله اسكندراني الذي قاد البطلين محمد الكاتب وأحمد شماع للتتويج بالذهب والفضة العالمي.
رئيسُ اللجنة الفنية لرفع الأثقال بحلب محمد بكري أورفه لي، أحد المدرّبين المجتهدين ضمن مشروع البطل الواعد، أشار إلى أن جوهر إنجاز البطلين الكاتب وشماع الذي سلّطت الضوء عليه وكالات أنباء عالمية، هو أنه ولد وأبصر النور من رحم أزمة الحرب التي ترعرع فيها البطلان وهما من مواليد العام 2007، منوهاً بالدور الرئيسي للمدرّب والبطل الأسبق ومدير مشروع البطل لرفع الأثقال الواعد عبد الله اسكندراني بما تحقق.
ووجّه الأورفلي رسالة تقدير وامتنان إلى ذوي البطلين وأسرة مشروع البطل الواعد من كوادر ومدرّبين وطنيين لأياديهم البيضاء التي أسهمت في صناعة الإنجاز، ومن بينهم المدرّب والمربي أحمد أورفلي الذي يصارع المرض، مشيراً إلى أن مشروع البطل الواعد يكتنز المزيد من الخامات والمواهب التي تتلمّس طريقها نحو التتويج في المحافل الدولية، ومن بينهم بطلا العرب حمزة الأسد حلاق ونجم الدين خطاب، وأبطال الجمهورية إبراهيم اسكندراني، وأحمد أورفلي وأحمد حلبي وتيم المرعي الموهبة النوعية والمميز زين فياض.. وغيرهم.
نافلة القول إن المقدّمات السليمة تفضي إلى نتائج عظيمة، يجب أن نبني عليها وندعمها لنكرسها في بلد ولّادة زاخرة بمواهب ألعاب الظل المظلومة التي تقتات على فتات الفتات، مقارنة بلعبتي القدم والسلة المدللتين المستنزفتين للدعم والاهتمام والمقدرات رغم كل الخيبات.
وليست الأولوية والمهمّ هنا أن نتستر بتلك الإنجازات لنغطي على ويلات الفشل والسقطات، ونتسلق ونتسابق على التبجح بأبوتنا الشرعية لها، بل أن نتعلم كيف نعبد طرقنا الوعرة المليئة بالحفر والمطبات بسبب الجهل والفساد المهني، لنصل إلى الأهداف الكبيرة!.