دراساتصحيفة البعث

استشهاد رئيسي يحفز المشاعر الوطنية في إيران

هيفاء علي

حضر الملايين موكب جنازة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي استُشهد مع وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان وستة آخرين في حادث تحطّم طائرة هليكوبتر يوم 19 أيار بالقرب من الحدود مع أذربيجان، بسبب سوء الأحوال الجوية.

صلاة الجنازة، التي أمّها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، عادت بالذاكرة إلى الحداد الكبير وتدفق الحزن الوطني الذي شوهد بعد جريمة اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في كانون الثاني 2020.  وشكّل هذان الحدثان خسارة كبيرة للجمهورية الإسلامية، أحدهما على المستوى العسكري والآخر على المستوى السياسي، ولكل منهما آثار استراتيجية. وعلى الرغم من الأزمات المتكرّرة، أظهرت الجمهورية الإسلامية دائماً قدرة غير عادية على التحمّل والتكيّف، وطوال تاريخها الممتد لـ 45 عاماً، واجهت الجمهورية الإسلامية العديد من التهديدات الوجودية، لكنها تمكّنت دائماً من البقاء وأثناء استشهاد سليماني، اعتبر بعض المراقبين أنه ضربة للمؤسسة، وتوقعوا في ذلك الوقت حدوث زعزعة كبيرة للاستقرار وتغيير محتمل للنظام. ولكن ما حدث هو العكس تماماً، حيث عملت الحكومة على تحفيز المشاعر الوطنية وتعزيز موقفها داخل البلاد وفي المنطقة.

وبالنسبة للمراقبين، أثار استشهاد رئيسي سؤالاً وجودياً: من سيقود إيران، ولا سيما أن الخليفة المباشر لرئيسي، وفقاً للمادة 131 من الدستور الإيراني، هو النائب الأول للرئيس محمد مخبر، الذي سيتم استبداله هو نفسه بُعيد الانتخابات التي ستجري في غضون 40 يوماً. وعلى الرغم من وجود العديد من المرشحين المحتملين، من المؤكد تقريباً أن أي شخص سيشغل هذا المنصب سيواصل سياسة رئيسي الخارجية ويتحرّك شرقاً. ففي ظل رئاسة رئيسي، عزّزت طهران علاقاتها مع القوى غير الغربية، مثل الصين وروسيا، وهذه الاستمرارية ضرورية لاستراتيجية إيران لمواجهة الضغوط والعقوبات الأمريكية، وبالتالي لبقاء الدولة.

وتُظهِر عضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون وانضمامها إلى مجموعة بريكس التزامها بالتعدّدية القطبية، بالإضافة إلى اتفاقية التعاون التي دامت 25 عاماً في عهد حسن روحاني، والتي تم تنفيذها في عهد إدارة رئيسي. في السياق، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، لنائب وزير الخارجية الإيراني مهدي سفري: “بغض النظر عن كيفية تطوّر الوضع، ستواصل بكين تعميق شراكتها الاستراتيجية مع طهران، وحماية المصالح المشتركة للبلدين، ومواصلة جهودها في تحقيق ذلك لمصلحة السلام في المنطقة والعالم”.

وخلال لقاء مع رئيس مجلس النواب الروسي أو مجلس الدوما، فياتشيسلاف فولودين، في موسكو، أكّد الرئيس فلاديمير بوتين أن موسكو مستعدة لمواصلة التعاون مع طهران كما هو قائم في ظل إدارة رئيسي، وأنه سيفعل ذلك، ويبذل كل ما في وسعه لضمان استمرار العلاقات الروسية الإيرانية على هذا النحو.

وبالإضافة إلى تعزيز العلاقات مع بكين وموسكو، أشرف رئيسي أيضاً على زيادة التواصل مع الجنوب، بما في ذلك جولات في أمريكا اللاتينية وإفريقيا، فضلاً عن زيارة إلى إندونيسيا، ما سمح لإيران بتوسيع نطاقها الدبلوماسي في مواجهة العقوبات التي فرضها الغرب ضدها، ومعارضة الطموحات النووية للبلاد.

بكل الأحوال، سوف يستمر إرث رئيسي تماماً مثل إرث أمير عبد اللهيان الذي يقوم على القرب من الحرس الثوري الإيراني، والانفتاح على دول الخليج، والحفاظ على العلاقات مع محور المقاومة.

إن انخراط إيران الأعمق في دعم المقاومة الفلسطينية أثناء العدوان الإسرائيلي الوحشي المتواصل حتى اليوم على غزة، كان سبباً في تعزيز القوة الناعمة الإيرانية وحشد الدعم للدولة. ورغم أن التحالفات الخارجية تشكّل أهمية بالغة، فإن استقرار إيران في المستقبل سوف يعتمد أيضاً على قدرتها على التصدي للتحديات الداخلية، وتظل الصعوبات الاقتصادية تشكّل مشكلة ملحّة، ولا شك أنها تتفاقم بسبب العقوبات، وسيتعيّن على القادة الجدد تنفيذ إصلاحات اقتصادية فعالة للحفاظ على الاستقرار الداخلي. تشير السابقة التاريخية إلى أن الجمهورية الإسلامية من المرجّح أن تنجو من هذه الأزمة الجديدة، لكن هذا لا يعني أن الطريق أمامها سيكون سلساً، وسيكون الاستمرار المحتمل لسياسات رئيسي في عهد خليفته النهائي، وخاصة تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا، حاسماً في تحديد الاتجاه الاستراتيجي لإيران. ومع ذلك، سيكون من المهم بالقدر نفسه معالجة التحدّيات الداخلية وتعزيز الأسس الأيديولوجية للدولة للجيل القادم لضمان استقرار إيران ومرونتها على المدى الطويل.