صحيفة البعثمحليات

الخطوة التي طال انتظارها!!

غسان فطوم

جيدة وصائبة خطوة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل المتمثّلة بإطلاق “منصة معلومات سوق العمل الأولى في سورية” بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

صحيح أنها جاءت متأخرة، قياساً بارتفاع معدلات البطالة التي سجّلت أرقاماً عالية خلال السنوات العشر الأخيرة، لكن رغم الألم يمكن أن نتفاءل بحدوث “حلحلة” في السوق في حال تمّ وضع برامج وخطط واستراتيجيات مبنية على معطيات صحيحة لواقع حال سوق العمل، الذي يعاني، من انكماش الفرص ومن فوضى واضحة في التوظيف، وخاصة للخريجين في الجامعات.

“المنصة” وبحسب رأي المعنيين تعدّ محطة مهمّة وإستراتيجية، الهدف منها توفير قاعدة معرفية حول سوق العمل ومؤشراته الأساسية وحالته الراهنة واتجاهاته المستقبلية، إضافة إلى دورها في تسهيل تنمية المهارات من خلال التدريب والتأهيل، وإعادة التأهيل للباحثين عن فرص عمل.

وبهذه الأهداف المعلنة، إن تمّ تنفيذها بجدية، تكون “الشؤون الاجتماعية” قد وضعت إصبعها على الجرح، وكشفت ضباب الطريق أمام صانعي القرار، فمشكلتنا في سورية ومنذ عقود كانت وما زالت هي المعاناة المزمنة مع غياب المعطيات الواقعية، وخاصة الرقم الإحصائي الصحيح فيما يخصّ نسب البطالة وتعداد طالبي فرص العمل، لذلك لم يكن غريباً أن يكون الفشل مصير غالبية الخطط والبرامج التي تمّ العمل عليها لتأمين فرص عمل للشباب، بدءاً من مكاتب التشغيل، مروراً بهيئة مكافحة البطالة وصولاً إلى مشروع تشغيل الشباب الذي أطلق مع بداية الحرب، والسبب أن كلّ تلك الطرق كانت قراراتها مبنية على أرقام ومعطيات خاطئة، لا تُشخّص الواقع الحقيقي، والأمثلة على ذلك كثيرة، وما التضخم الأكاديمي الذي نعاني منه إلا دليلاً صارخاً، وما يؤلم أن الجامعات ما زالت مستمرة بضخّ الخريجين العاطلين عن العمل، ليس فقط بسبب زيادات أرقامهم، وإنما بسبب تبدّل حاجات ومتطلبات سوق العمل التي لم تعد ترضى بسوية الشهادات التقليدية التي يحملونها، فاليوم أهم مهارة مطلوبة في سوق العمل هي مهارة حلّ المشكلات بطرق إبداعية وليست تقليدية، فإن لم يتقنها طالب العمل سيبقى ينتظر طويلاً على قارعة طريق البطالة، لذلك فإن عملية الربط بين سياسات سوق العمل ومخرجات الجامعات ذات الجودة العالية يجب أن تكون من الأولويات، عبر تنسيق عالي المستوى بين وزارتي الشؤون الاجتماعية والتعليم العالي، بمساعدة الشركاء الآخرين، وأهمها ترشيد القبول في التخصّصات الجامعية وضبط المخرجات كماً ونوعاً، مع العمل الجاد على وضع خطط وبرامج عمل حقيقية، والتأكيد على التحليل السنوي في فهم اتجاهات سوق العمل.

بالمختصر، نأمل أن تكون المنصة عامل أمان حقيقياً لسوق العمل في سورية، وتؤسّس لبناء مشترك قوامه رأسمال مادي وموارد بشرية من ذوي الخبرات والكفاءات، ولعلّ ما كشف عنه وزير “الشؤون الاجتماعية” بخصوص العمل على دليل معياري للمهن، بهدف رسم سياسات مبرمجة بكل مهنة، سيقوّي الأمل ويفتح أمام الشركاء في المنصة آفاقاً واسعة بالبحث عن أفكار جديدة قابلة للتنفيذ ضمن إطار زمني محدّد بفترة قصيرة للوقوف على جدية العمل، بعيداً عن خلق الأعذار التي لم تجلب لنا إلا مزيداً من الغوص في مستنقع البطالة!.