رأيصحيفة البعث

الهزيمة تحقّقت.. ويبقى الإعلان عنها

طلال ياسر الزعبي

يدرك قادة الكيان الصهيوني المجرم أن الأمور قد خرجت من أيديهم تماماً، وأنه لا يمكن تحقيق أي نصر عسكري على غزة مهما أوغلت آلتهم العسكرية في القتل والدمار والتهجير، لأنهم يعلمون يقيناً أن “النصر” الذي يحققونه على المدنيين والمنازل والمساجد والكنائس والمستشفيات، إنما هو في حقيقته هزيمة، وأن الهدف المعلن من العدوان لم يتم تحقيقه بالقضاء على المقاومة وتهجير أهالي غزة، بل على العكس زاد التلاحم الشعبي مع المقاومة، ليس في غزة فحسب بل على مستوى العالم أجمع.

الآن، وعلى وقع المجازر اليومية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في الأراضي المحتلة، أدرك الأحرار في هذا العالم شرعية بندقية المقاومة في مواجهة محتل مجرم لا يفهم إلا لغة القوة، فإما أن تستسلم للموت على يد الإرهاب الصهيوني، وإما أن تقاوم حتى لا تكون لقمة سائغة في فم هذا العدو.

إنّ الحقيقة المرّة التي يتجرّعها الآن أتباع عصابات القتل الصهيونية أن الدعاية التي سيطروا عليها وجيّروها لمصلحتهم منذ أكثر من مئة عام، وسخّروها لتسويغ احتلال أرض فلسطين التاريخية، وبنوا عليها جميع “انتصاراتهم” منذ تأسيس الكيان الغاصب، أصبحوا الآن شهوداً على سقوطها المدوّي، سواء على الصعيد الداخلي حيث أدرك المستوطنون الصهاينة أن حكومتهم عاجزة تماماً عن حمايتهم وتوفير الأمن والحياة الطبيعية لهم في محيطهم، وهذا ما يظهر انعكاسه واضحاً في التظاهرات اليومية المطالبة بإعادة الأسرى والتفاوض مع المقاومة على إطلاقهم، وهو بمنزلة إعلان هزيمة كاملة للكيان في المعركة، أم على الصعيد الدولي حيث يشهد العالم ثورة شعبية على الدعاية الصهيونية وتمرّداً على جميع الحكومات التي تدعم الكيان الصهيوني، وفي مقدّمتها الإدارة الأمريكية، الداعم الأكبر للكيان، التي خرجت جامعاتها عن صمتها وراحت تتحدّى الحكومة الفيدرالية في جميع الولايات، معلنة أنها ستستمر في دعمها لمقاومة الشعب الفلسطيني حتى لو استخدمت ضدّها حملة مكارثية جديدة، بل زادت على ذلك بأنها أدركت أن ما يسمّى “معاداة السامية” إنما هو في حقيقته أسلوب ممنهج لقمع جميع محاولات دعم التحرّر من الصهيونية التي تحاول التحكم بالقرار الأمريكي في الداخل وتجاه العالم.

الآن المشهد في العالم كله تغيّر لمصلحة قضية الشعب الفلسطيني وحقّه في التحرر وفي بناء الدولة المستقلة، لا بل إن المقاومة أصبحت أسلوب حياة في جميع أنحاء العالم، وصارت الكوفية الفلسطينية رمزاً للتطلع للخلاص من القهر والظلم والتبعية والاستعباد وكمّ الأفواه، وهذا بالضبط ما يزيد من حنق قادة الكيان، لأنه يقطع الطريق على جميع المحاولات الصهيونية لقمع الجهات القضائية الدولية وابتزازها، أو منع دول بأكملها من التعبير عن إدانة إجرام الاحتلال، بل وعن المطالبة بإزالته.

إن انتصار المقاومة لم يتحقّق الآن، بل إنه تحقق عندما استطاعت غزة البطلة بثباتها وإصرارها إقناع العالم أجمع بزيف الدعاية الصهيونية، وبالتالي سقطت الركيزة الدعائية التي قام عليها هذا الكيان، ومن هنا لم يعُد لدى مجرم الحرب بنيامين نتنياهو وزمرته الإرهابية من سبيل سوى الهروب إلى الأمام من خلال الإمعان في القتل وارتكاب المجازر، ظناً منه أن ذلك يمكن أن يجبر الجميع على مساعدته على النزول من أعلى الشجرة، ولكنه في حقيقة الأمر أدرك أنه يصارع طواحين الهواء في غزة، وأن هزيمة الاحتلال تحقّقت.. ولم يبق إلا الاعتراف بها.