خطوات ورؤى حكومية وأهلية لتطوير قانون ذوي الإعاقة ودمجهم مجتمعياً
دمشق- حياة عيسى
يعدّ مشروع تعديل قانون ذوي الإعاقة والبحث في أهم النقاط التي من شأنها أن تجعل منه قانوناً فاعلاً لضمان حقوق شريحة ذوي الإعاقة، من أهم الخطوات التي سعت لها الحكومة في ظلّ الظروف الراهنة، كونه يسهم في تحويلهم من أشخاص يمثلون عبئاً على المجتمع إلى أشخاص يمثلون قوة اجتماعية واقتصادية وإنسانية فاعلة، فالمشكلة ليست في عطالة قدراتهم، بل في عطالة قدرتنا على اكتشاف ما يمتلكون من قدرات واستثمارها في المكان والزمان المناسبين.
الخبيرة الاجتماعية رشا شعبان أشارت في حديث لـ”البعث” إلى ضرورة احترام حقوق وكرامة وحرية اختيارات الأشخاص ذوي الإعاقة كونها ليست مسألة أخلاقية أو إنسانية فحسب، بل هي عملية استثمار لقدرات المجتمع كاملة على الرغم من تنوعها واختلافها، لذلك لا بدّ من النظر إلى الاختلاف وكيفية استثماره، لأنه من الممكن أن يكون كلّ شخص يمتلك ضعفاً أو عجزاً في جانب معيّن من جسده أو فكره، لكن بالمقابل هو ذاته يمتلك قوة وقدرة في مجال آخر وقد يبدع فيه، لذلك لا بدّ من العمل كفريق واحد وبالتشاركية مع كافة الجهات لإنتاج قانون يتناسب مع التطور والتقدّم المجتمعي في كلّ المجالات التي تهتمّ بالعمل والتعليم، بالتزامن مع ضمان حقوق الطفل المعوق وبناء قدراته وتنمية مهاراته ودمجه في المجتمع وتحويل ما يملك إلى قوة عطاء وليس أخذاً فحسب، وهنا نحتاج لقانون يضمن تكافؤ الفرص وعدم التمييز ضد الأشخاص على أساس الإعاقة، وضرورة توفير التجهيزات المعقولة لتمكين الشخص المعوق من التمتّع بحق أو حرية ما أو لتمكينه من الاستفادة من خدمة معينة.
وتابعت الدكتورة شعبان أن قبول الأشخاص المعوقين ليس مسألة رأي أو وجهة نظر، بل هو حق إنساني بامتياز وليست مسألة شفقة، وهذا يتطلّب ليس قانوناً فحسب على الرغم من أهميته، لكن لا بدّ من نشر الوعي والثقافة حول قضايا الأشخاص المعوقين وحقوقهم، ولاسيما في مجال الصحة والتعليم والتدريب المهني والعمل والحياة الاجتماعية وكذلك الرعاية المؤسسية، لذلك يجب أن يتمتّع القانون بكوادر اختصاصية تعمل على تنفيذه بالشكل الأمثل، وتكون موجودة وحاضرة في كلّ مؤسسة، وتمتلك الخبرة والوعي في التعامل مع حالات الإعاقة، وأشارت إلى ضرورة تسمية لجنة في كلّ مؤسسة تتابع شؤون المعوقين وتساند أدوارهم وتقترح البدائل والحلول لأي مشكلة تواجهنا في التنفيذ، كذلك من الأهمية أن يشارك أشخاص من ذوي الإعاقة في لجان المراقبة والمساندة والاقتراحات، بالتزامن مع تسمية لجنة إشراف ومراقبة لالتقاط مواضع الخلل في التنفيذ.
أما بالنسبة لدمج المعوق في المجال التعليمي، فقد بيّنت شعبان أن عملية الدمج ليست عملية استنسابية أو فوضوية، بل عملية تبدأ بتهيئة البيئة المكانية والبنية التحتية المناسبة للدمج والتي تتناسب مع حالات الإعاقة بعد تصنيفها، ولاسيما أن الإعاقة الجسدية لها تنظيم يختلف عن الإعاقة الذهنية، وحتى الذهنية لها تصنيفات تبدأ بالضعيف ثم الوسط، أما الشديدة فلها دور خاصة، إضافة إلى أنه ليست كل مدرسة دامجة، بل هناك شروط مثل البناء المجهّز بتصميم يتناسب مع حالات الإعاقة الجسدية، مثلاً، الأدراج والمقاعد وغير ذلك، وحتى الباحة والغرفة الصفية يجب ألا تكون معيقة بل تسهّل الحركة لذوي الإعاقة، كذلك لا بدّ من توفر فريق إرشادي نفسي يشرف على الدمج وله خبرة في التعامل مع هكذا حالات، وكذلك لا بدّ من توعية الأطفال الطبيعيين في التعامل مع زملائهم وقبولهم بوصفهم حالة طبيعية يفرضها التنوع البشري وحق الاختلاف.
من جهتها رنا المنجد المدير التنفيذي في منظمة آمال دمشق، بيّنت في حديثها أنه نتيجة الحرب استدعى الأمر تطوير مفهوم الإعاقة ليكون نقطة تحول في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة، مشروطاً بضرورة التعاون والتشبيك مع كافة الجهات ذات الصلة للوصول إلى مشاركة حقيقية بين كافة فئات المجتمع، ولعلّ من أهم النقاط الإيجابية في تعديل قانون ذوي الاعاقة تبني النهج القائم على حقوق الإنسان وليس الاكتفاء فقط بالنهج القائم الإحساني القائم على “الرأفة والإحسان”، ولاسيما أن القانون ينصح بحصول جميع الأشخاص ذوي الإعاقة على كافة حقوقهم، من خلال معرفة قدرات الشخص الذي يعاني من إعاقة ووضعها في المكان الذي يساهم في بناء المجتمع، لذلك لا بدّ من مراقبة التعليمات التنفيذية لضمان تطبيق القانون لصالح ذوي الإعاقة كونها مسؤولية جماعية تتضمن (القطاع الحكومي والمنظمات غير الحكومية والأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم).
وبالحديث عن أهمية الدمج، أكدت المنجد على أهميته كونه يجعل جميع الأشخاص فاعلين ومساهمين في بناء المجتمع، وهو الغاية الأساسية التي ينبغي العمل عليها، ولاسيما في ظل العمل الجاد والدؤوب لتفعيل عملية الدمج بشكل كبير، متابعةً أنه عند الحديث عن الدمج الأكاديمي التي يجب العمل عليها من نقطة الصفر لبلورتها في عقول الأطفال والأسر على الرغم من الصعوبات التي من المحتمل أن تقف عائقاً أمامها، وتتمثل بنظرة البعض للأشخاص ذوي الإعاقة بأنهم أشخاص غير فاعلين، إلا أن الجهود الحكومية والمنظمات غير الحكومية تعمل على حلها عبر التوعية من خلال وسائل الإعلام بالمشاركة مع وزارتي التربية والشؤون الاجتماعية والعمل وكافة الجهات غير الحكومية، بهدف الوصول إلى دمج شامل لجميع الأشخاص ليكونوا فاعلين ومساهمين في بناء المجتمع.
أما من وجهة نظر المدرّب أدهم الحسين، فقد أوضح أن الدمج لذوي الإعاقة ضرورة ملحة لاستثمار الطاقات التي قد تتغلّب على السليمين، وخاصة بالمنحى الفكري، ويمكن أن نخصّص لكل إعاقة الموقع المناسب لها لاستغلالها على أكمل وجه، مع مراعاة الفروقات الفردية بين كل إعاقة ضمن الاختصاص المطلوب، ومن الممكن تأسيس كيان خاص مجهز بكل احتياجات العمل لذوي الإعاقة لرفع روح المنافسة والتحدي بينهم وبين السليمين، بحيث تكون المؤسسة أو الشركة الخاصة بهم هي دافع تحفيزي لهم لإثبات الوجود، وأنهم قادرون على تحقيق الأهداف، إضافة إلى أنه من الضروري تصنيف أنواع الإعاقة لتوجيه طاقة كلّ إعاقة للمكان المناسب وبما يتوافق مع كل رياضة.
وتابع الحسين أنه من الممكن إيجاد صيغة لتسلسل هرمي بين ذوي الإعاقة لتطوير الشخصية القيادية، وأن يكون بينهم رئيس ومرؤوس للوصول إلى الطاقة الكامنة بداخلهم للقيادة وخلق الأفكار والإبداعات والتطوير، بحيث يمكن أن يكون المعوق جسدياً ذو الفكر المنير هو الرئيس والسليم هو المرؤوس، فإذا وصلنا لهذه المعادلة نكون قد حققنا العدالة الاجتماعية بين الأشخاص.