شعارات الانتخابات.. عندما يصنع مرشح مجلس الشعب الأحلام بالكلام..!
يونس خلف
أتابع مثل غيري باهتمام وحرص ما يعلنه المرشحون للانتخابات بغية التعرّف على توجّهاتهم وأفكارهم، ولعل أبرز السمات التي تميّز العبارات والشعارات التي تستخدم في حملات المرشحين هي العمومية المفرطة والافتقار إلى الرؤية الواضحة الدقيقة التي تمثل فكر المرشح وتوجّهاته واهتماماته، حتى يخيّل إليك حينما تقرأ بعض تلك الشعارات أنك أمام تسويق منتج استهلاكي وليس أمام مرشح انتخابات مجلس الشعب، ومن تلك العبارات: (نعتز بثقتكم ونسعى لخدمتكم)، (معاً نحو مستقبل أفضل)، وغيرها من العبارات الفضفاضة التي تعكس عدم امتلاك بعض المرشحين رؤية واضحة حول الدور الذي يمكنه القيام به بعد فوزه في تلك الانتخابات.
السؤال المهم هنا: كيف يمكن الوصول إلى الناخب وإثبات الذات أولاً، بمعنى هل المرشح قادر على الوقوف والمواجهة والتحدّث بطلاقة وعقلانية وتوازن وصبر وسعة صدر، وأن يكون هادئاً مهما برز له من تحدّيات في الطرح؟ وكيف يمكن للناخب الوصول إلى المرشح الذي سيوصل صوته للبرلمان ويمثل فكره ويحقق أهدافه وأهداف الوطن. ولذلك الأمر يتطلب من المرشحين أن يتحدّثوا عن برامجهم الانتخابية بالتفصيل، وألا يكون برنامجهم مختزلاً في شعار يقتصر على أربع كلمات، وكأنهم قصدوا أن يكون لكل عام سيُمضونه تحت القبة كلمة واحدة، ثم عليهم أن ينتقلوا إلى مرحلة المناظرات ليميّز كل ناخب الغثّ من السمين من بينهم، ثم على الناخبين أن يطلبوا ذلك، فالنائب هو من يستطيع الإفصاح عن توجّهاته على الأقل وليس الصامت من قبل ومن بعد؟!.
أيضاً ثمّة شعارات يطلقها بعض المرشحين تتضمّن وعوداً تثبت الأيام القادمة عدم إمكانية تحقيقها على أرض الواقع، وقد يكون بعض المرشحين يعمد إلى التعميم لرغبته في استمالة جميع الطبقات والتوجّهات والميول، وهذا لن يتمكّن من تحقيقه لعدم ثقة الناخب في قدرته على تقديم شيء من هذه الوعود، كما أن تلك العمومية قد تحول دون إبراز شخصية المرشح وصدقيته وما يتميّز به من سمات، وممّا يعكس عدم امتلاك بعض المرشحين رؤية فكرية واضحة حول الأدوار المنوطة بهم أنك تجد كثيراً من الشعارات الانتخابية المكرورة، ومنها: “يداً بيد نبني الغد”، “يداً بيد نحو الغد” “يداً بيد نبني مستقبل الغد”.. وغيرها من العبارات التي استهوى بعض المرشحين الجرس الموسيقي الذي جاء نتيجة للجناس بين الألفاظ، حتى إن خلت تلك الشعارات من رسالة تلامس آمال المواطن، كما تجد بعض المرشحين يطرحون شعاراتٍ تحمل معاني وأفكاراً بهية وأساسية ومن واجب الجميع، ولا تحتاج إلى تأكيد من أحد، ومنها (شعارنا خدمة الوطن والمواطن) (شعارنا التنمية للمستقبل).
لا شك في أن بعض المرشحين قد فرّطوا في استخدام سلاح مهم يمكن أن يكون له القول الفصل في تلك الحملات الإعلانية المحتدمة، ألا وهو صياغة الشعارات الانتخابية صياغة لغوية محكمة يمكنها أن توصل جملة من الأفكار المهمة التي تداعب أحلام الناخب وتطلعاته بأقل عدد من الكلمات، ما يجعل تلك العبارة تتردّد في ذهنه، وتلحّ عليه، وتستفزّه للاطلاع على البرنامج الانتخابي، وتثير فيه عدداً من التساؤلات المهمّة التي تدفعه إلى الذهاب إلى المقر الانتخابي والتفاعل مع هذا المرشح أو ذاك. نتيجة لذلك التفريط تكون بعض الحملات الانتخابية حبلى بالأخطاء اللغوية والأسلوبية التي ليس هناك مجال لحصرها والحديث عنها، ولعلي أكتفي هنا بضرب مثالين لتلك التجاوزات اللغوية، ومنها الشعار التالي: (صوتك أمانة، أعطها لمن يستحقها)، فيبدو أن المرشح قد أعاد الهاء في (أعطها) إلى الأمانة، والصحيح أن يقول (أعطه) لتعود إلى الصوت، لأن الصوت هو الذي يُمنح لا الأمانة.
من المظاهر السلبية أيضاً في الحملات الانتخابية، أن بعض النواب يصنعون الأحلام بالكلام. واقع لا أثر فيه لإنجاز يُذكر عدا حرف السين، هذا الحرف الذي ملّته الجموع وكرهته، حرف السين الذي يتصدّر أغلب التصريحات، سنفعل، سنسأل، سنلبي، سنستجوب، سنطرح، سنحاول..
خلاصة القول أن الناخب يريد من الذي يمثله في مجلس الشعب أن يرى ويسمع ويتكلم وينقل الواقع على حقيقته ولا يريد منه الوعود بل العمل الدؤوب.