دراساتصحيفة البعث

“بريكس بلس” تتخطّى مجموعة السبع

ريا خوري

بدأت خمس دول مهمة في العالم، في اليوم الأول من العام الجاري بالانضمام رسمياً إلى مجموعة دول بريكس، بعد أن وجّهت المجموعة في شهر شباط العام  الماضي، الدعوة إلى ست دول للانضمام لعضويتها بدءاً من شهر كانون الثاني الماضي 2024، وهي السعودية ومصر والإمارات والأرجنتين وإيران وإثيوبيا.

وكانت الأرجنتين هي الدولة الوحيدة التي رفضت الدعوة بعد أن تراجع خافيير مايلي الرئيس الجديد، الذي تولى منصبه مؤخراً، عن طلب العضوية الذي تقدم به سلفه، معلّلاً ذلك بأنّ السياسة الخارجية لحكومته الجديدة تختلف في العديد من النواحي عن سياسة حكومة سلفه.

لقد تمكّنت مجموعة بريكس + المؤلفة من (جمهورية الصين الشعبية، وجمهورية روسيا الاتحادية، والهند، وجنوب إفريقيا + المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية، وإثيوبيا، والبرازيل، والأرجنتين، وإيران)، من أن تتخطّى مجموعة الدول السبع الرأسمالية الكبرى بالنسبة لمساهمتها في إجمالي الناتج العالمي (32% لبريكس+، مقابل 30% لمجموعة السبع)، وذلك حسب منصة البيانات الأوروبية Statista .

الجدير بالذكر أنً الصين تضطلع بأكبر ناتج محلي إجمالي اسمي بين دول مجموعة (بريكس) حيث بلغ في نهاية عام 2022م، أكثر من ثمانية عشر تريليون دولار أمريكي، كما أنّ بقية دول المجموعة تنتج منفردة إجمالي ناتج محلي اسمي لا يقل عن ثلاثة تريليونات دولار أمريكي، وهو أكثر من متوسط ما تنتجه معظم دول مجموعة السبع الكبار باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنّ معظم دول مجموعة (بريكس بلس)، قد حققت وما زالت تحقق معدلات نمو سنوية كبيرة تزيد كثيراً على متوسط النمو الإجمالي العالمي. وهذا ما سيضع  التجمعات الاقتصادية العالمية الأخرى، بما فيها مجموعة دول السبع الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية، وجمهورية ألمانيا الاتحادية، واليابان، وكندا، وفرنسا، وإيطاليا، وبريطانيا)، في وضع تنافسي لا تُحسَد عليه في السنوات الخمس القادمة. ولو تمكّن مؤشر قياس إجمالي الناتج المحلي بمُعادِل القوة الشرائية من إزاحة مؤشر إجمالي الناتج المحلي الاسمي والحلول مكانه كتعبير ومؤشّر قياس رئيسي للأداء الكلي السنوي لإجمالي الناتج المحلي، للاقتصادات الوطنية بعد أن ازداد استخدامه بشكلٍ كبير ليس فقط من عدد كبير من المفكرين والخبراء الاقتصاديين العالميين، وإنما من المنظمات الاقتصادية العالمية أيضاً فستكون الهوّة عندئذ بين قاطرة مجموعة دول (بريكس بلس) والدول الرأسمالية الكبرى، أكبر بكثير، لمصلحة مجموعة بريكس بلس،  عندها ستصبح حصة دول (بريكس بلس في إجمالي الناتج العالمي في عام 2028، نحو 36.6% مقابل 27.8% لمجموعة الدول الكبرى السبع، وسيبلغ الوزن الجماعي لدول بريكس بلس في الاقتصاد العالمي ما يزيد على تسعة وخمسين تريليون دولار أمريكي، وأكثر من ثلث مساحة اليابسة على الأرض أي ما يعادل نسبة (36%)، و45% من سكان العالم أي ثلاثة مليارات وستمائة مليون نسمة، وأكثر من أربعين بالمائة من إجمالي إنتاج الطاقة وعلى رأسها النفط، ونحو ربع الصادرات العالمية من البضائع والسلع.

لقد أفادت التقارير والمعلومات الدقيقة أن مجموعة بريكس سيزداد دورها وأهميتها في العالم، ومن المقرر أن ترأس جمهورية روسيا الاتحادية القمة السادسة عشرة لمجموعة بريكس بلس التي ستُعقد في قزان عاصمة جمهورية تاتارستان في روسيا الاتحادية خلال الفترة من 22 إلى 24 تشرين الأوّل 2024م. وخلال رئاستها للمجموعة التي ستستمر من 1 كانون الثاني إلى 31 كانون الأوّل العام القادم 2025، تعتزم روسيا الاتحادية حسب تصريح يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي للشؤون الخارجية، إعطاء الأولوية لثلاثة مجالات أساسية: السياسة والأمن، والعلاقات الثقافية والإنسانية، والاقتصاد والتمويل، وعلى مدى العام سيتم تنظيم أكثر من مئتين وخمسين حدثاً في أكثر من عشر مدن روسية، في مقدمتها بطبيعة الحال قمة قادة دول بريكس بلس التي ستبحث العديد من القضايا المهمة وخاصة توسيع دور المجموعة في النظام النقدي العالمي وتطوير نظام دفع مستقل، وخفض تكاليف الخدمات اللوجستية وخدمات الدعم السريع، وتحسين كفاءة وسهولة  النقل، والعمل على التنفيذ المبكر لطرق المرور العابرة للقارات بين الجنوب والشمال، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيذ اتفاقية التعاون عبر الأقمار الصناعية، ووسائل الاتصال التكنولوجية السريعة، وتعزيز مدوّنة الأخلاقيات في مجال الذكاء الاصطناعي (AI) التي تم تطويرها في جمهورية روسيا الاتحادية، والتعاون بين المؤسسات العلمية والطبية العالية المستوى، وخاصة في تنفيذ نظام للإنذار المبكر للتعامل مع مخاطر العدوى الجماعية على الصعيد العالمي، بدءاً بجائحة كوفيد ١٩ ( كورونا).

وهذه أول قمّة لمجموعة دول بريكس بلس تلتئم فيها بكامل أعضائها المؤسسين والدول التي انضمت حديثاً، وهناك عدد آخر من الدول المهمة الصاعدة، المرشحة للانضمام إلى المجموعة، وهو ما سيعزّز حصانة وقوة الدول الأعضاء في هذه المجموعة ضد صدمات سلاح العقوبات الغربية الجائرة الذي يمكن أن يطول أية دولة لا تمتثل لما تسمّيه مجموعة السبع الكبرى (النظام الدولي القائم على القواعد والأسس المحكومة)، ولاسيما في ضوء تزايد عمليات اقتصادية وتجارية أدّت إلى تسوية معاملاتها المالية بعملاتها الوطنية (غير عملة الدولار الأمريكي).

كل الدلائل والمؤشرات تؤكد أنه خلال السنوات الخمس القادمة ستكون حاسمة بالنسبة لعملية التدقيق والتمحيص والفرز والتموضعات الاقتصادية الكلية على مستوى الدول والأقاليم والتجمعات الاقتصادية والمالية المركزية والطرفية على حد سواء. ستجتمع خلالها مجموعة من العناصر التي تشكّل معلومات ومعطيات الصعود الموثقة أو التدحرج نحو الأعلى، بما في ذلك مصير سياسة طباعة العملة الورقية المعادِلة للسحب على المكشوف في الحسابات المالية المصرفية، ومصير العملات النقدية الرقمية للبنوك المركزية، ومصير الاقتصادات الورقية التي كانت السبب الرئيسي في أزمة الكساد العظيم التي عانى منها العالم في ثلاثينيات القرن الماضي، وفي الأزمة المالية العالمية لعام 2007–2008 التي انفجرت في شهر أيلول عام  2008، واعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير الذي حدث عام 1929م، فقد ابتدأت الأزمة أولاً في الولايات المتحدة الأمريكية ثم امتدت إلى  عدد كبير من دول العالم ليشمل الدول الأوروبية بكاملها والدول الآسيوية وجميع دول الخليج العربي، والدول النامية التي يرتبط اقتصادها مباشرة باقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، وقد وصل عدد البنوك التي انهارت في الولايات المتحدة  الأمريكية خلال عام 2008م إلى تسعة عشر بنكاً، كما توقع آنذاك المزيد من الانهيارات الجديدة بين البنوك الأمريكية البالغ عددها أكثر من ثمانية آلاف وأربعمائة بنك.

الجدير بالذكر أنّ مجموعة بريكس قد أسّست بنكها الخاص للتنمية في عام 2014 برأس مال ابتدائي قدره خمسون مليار دولار أمريكي، وقامت بريكس، كذلك بإنشاء صندوق مالي احتياطي للطوارئ لدعم جميع الدول الأعضاء التي تكافح باستمرار من أجل سداد الديون بهدف تجنّب ضغوط السيولة المالية.