نحو ثقافة وطنية جامعة!
الثقافة الوطنية، هي المكوّن الرئيس لمزاج أي شعب، وتتكوّن من القيم والعادات والمعتقدات والتقاليد والتراث، والحكمة والأمثال، وسيرة البطولة في الدفاع عن الوطن، والشهامة، والشجاعة.
وهي ثقافة تجمع ولا تفرّق، توحّد الناس على حبّ الوطن، والدفاع عنه، والاعتزاز به، والانتماء والولاء الصادق له، والإخلاص والتفاني في العمل، لرفعته، واحترام رموزه الوطنية والدينية: كالعلم والنشيد الوطني وموقع الرئاسة.. واحترام القانون، والثقافات والمعتقدات للآخر الشريك في الوطن، ويسمو الانتماء للوطن، فوق كل الانتماءات الفرعية.
إلا أن الثورة التقانية، والمعلوماتية، والمعرفية، وثورة الاتصالات، التي شهدها العالم، وخاصة منذ الربع الأخير من القرن العشرين، ألقت بظلالها السلبية على الهويات والثقافات الوطنية والقيم في العالم أجمع، من خلال العولمة، والليبرالية الجديدة، التي تنكّرت للخصوصيات الوطنية والقومية للشعوب، وهذا ما ظهر في كتاب (صراع الحضارات) للكاتب الأمريكي صموئيل هنتغتون، وكتاب (نهاية التاريخ) للكاتب الأمريكي من أصل ياباني فرنسيس فوكو ياما، في تسعينيات القرن الماضي، حيث تم استهداف الهويات والثقافات الوطنية للشعوب بحقد وشراسة، وتشويه القيم الوطنية والقومية والاجتماعية والإنسانية للشعوب، وإفساد التعليم والأخلاق، وصولاً إلى إضعاف الحس الوطني والولاء والانتماء للأوطان، (الكوسموبوليتانية)! لتشييء الإنسان وإفراغه وتجريده من إنسانيته، وهويته، وقيمه، ومعتقداته، عبر وسائل الإعلام المتعدّدة، التي تعمل لنشر عبادة الجنس والعنف والسادية والخيانة، وكل ما هو غير أخلاقي، من غدر، وكذب، وغش، والإدمان على المخدرات، ونشر ثقافة الاستهلاك، والعدمية، والعبثية، وعدم المبالاة، ونهاية الكون، ونشر ثقافة التطبيع وتسفيه الثقافات الوطنية، والقيم النبيلة، والمتاجرة بشعارات حقوق الإنسان، والديمقراطية.. إلى حدّ الوصول إلى اعتبار أن الخيانة هي عبارة عن وجهة نظر!؟ وإلى حدّ اعتبار الذاكرة الوطنية للشعوب هي بمنزلة أسلحة دمار شامل يجب التخلص منها!؟ على حدّ تعبير أحد كبار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية (بيل كريستول).
ممّا تقدّم نجد أن هناك حاجة ماسة لتعزيز قيمنا، وثقافتنا الوطنية والعربية، وترميم ما أصابها من تشويه واضطراب واهتزاز من إفرازات العولمة والليبرالية الجديدة المتوحشة، لتعود أقوى مما كانت عليه، ثقافة وطنية قوية راسخة في وجداننا، وجامعة، ومحصّنة، وذلك من خلال المزيد من الوعي والمسؤولية والتحدّي، وبتعزيز مشاعر الانتماء للوطن وللأمة العربية، وتدعيم قيم التسامح وثقافة الحوار، وترسيخ مفهوم المواطنة الذي يقوم على المساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد دون النظر إلى أي اعتبار دينياً كان أم عرقياً أم عشائرياً.. فالمواطنة الصالحة تعزّز الانتماء للوطن وتعمّق الثقافة الوطنية، وتقوّي المناعة الوطنية لتصبح في أعلى درجاتها.. ومن قيم المواطنة المشاركة في الشأن العام، وفي المناسبات الوطنية والانتخابات، فنحن الآن على مقربة من استحقاق وطني دستوري لانتخابات مجلس الشعب، فالمشاركة هي حق وواجب على كل مواطن، لاختيار المرشح الأجدر والمناسب لهذه المهمة الوطنية، بواقعية وشفافية، كما أن علينا أن نعزّز روح العمل التطوّعي الجماعي، وامتصاص حالات الاحتقان السياسي والاجتماعي، واعتماد النهج السلمي في اتخاذ المواقف، وكذلك ترسيخ القيم الإيجابية في المجتمع كالإيثار، والتعاون، ومعاني البطولة والشجاعة، ومساعدة أسر الشهداء والجرحى، والفقراء، والمنكوبين (زلزال عام ٢٠٢٣) الذي أثبت مدى عمق أصالة الشعب السوري وثقافته الوطنية وتآخيه في الملمّات والنكبات، حيث شاهد العالم أجمع، تلك الهبات الشعبية التي شملت كل الجغرافيا السورية لنجدة أهلنا في الشمال والساحل، بتقديم العون، والدعم، وإغاثة المنكوبين، جنباً إلى جنب مع الجيش العربي السوري، والمؤسسات الحكومية.
إن الوصول إلى تمتين وتوطيد ثقافتنا الوطنية الجامعة، مسؤولية تقع على عاتق الجميع في الوطن (أسرة، ومدرسة، ومجتمع، وإعلام، ومؤسسات تربوية، وأحزاب، ومنظمات، ونقابات، ومنابر ثقافية ودينية، ومثقفين، ووجهاء، ومجتمعات محلية..).
لقد كان السيد الرئيس بشار الأسد ينطلق في كلماته وخطبه من ثلاثية (الأسرة، والقيم، والمعتقد)، كضامن للمجتمع، والهوية، والوعي الوطني، كما ركّز على أهمية وضرورة الحوار، حيث يقول سيادته: (الحوار ضروري.. توسيع الحوار يخلق التعاون ويعزز الانسجام بين مكوّنات المجتمع.. علينا التركيز على الأشياء المشتركة الجامعة للتنوّع السوري الكبير.. وعلينا تعميم ثقافة التنوّع الذي يعني الغنى، بدلاً من ثقافة التناقض والتنافر الذي يسعى الأعداء لتعميمها واستغلالها).
أخيراً نقول: إن قوة الدولة في العالم، لم تعُد تقاس، بقوّتها العسكرية أو الاقتصادية أو بمساحتها، وبعدد سكانها أو بقوة البحث العلمي فحسب، بل أصبحت تقاس أيضاً بمدى قوة وحدتها الوطنية، وتماسكها الاجتماعي، ومتانة ثقافتها الوطنية أيضاً، التي تقوّي مناعتها الوطنية في مواجهة التحدّيات والمخاطر.
إعداد الرفيق: بلال الفايز
مدير مدرسة الإعداد الحزبي بدرعا