“مقاربات على مفاصل المعنى والإشراق” في مختلف الفنون الأدبية
حمص ـ عبد الحكيم مرزوق
يخصص الدكتور هيثم يحيى الخواجة الفصل الأول من “مقاربات على مفاصل المعنى والإشراق” للشعر، أما الفصل الثاني فللرواية والقصة، والفصل الثالث للمسرح.
وقدم عبر الفصول الثلاثة مقاربات ودراسات عن أدباء من سورية والوطن العربي، وقبل الإنارة على هذه الدراسات، نتوقف عند مقدمة الكتاب حيث جاء فيها: “من أهداف هذه المقاربات إبراز قيمة بعض النتاجات الإبداعية التي تصديت لها، والتي أرى من الضروري أن ينوّر عليها لإبراز ما فيها من إيجابيات”.
افتتح الخواجة فصل الشعر بدراسة مستفيضة عن شعر الشاعر بيان الصفدي من خلال ديوانه الجديد “وطني قلبي”، ورأى أن الشاعر المجوّد هو الذي يعمل على تآلف عناصر الحياة المنتقاة لتشكيل مهاد الشعر من أجل تدفق الإبداع وصوغ بهاءاته، مشيراً إلى إخلاص الصفدي لشعر الأطفال إخلاصاً لافتاً، ولا سيّما أنّه يعد من الذين ساهموا في النهوض بأدب الأطفال، ومما قال: “إن الشاعر بيان الصفدي حريص على جماليات قصيدته لغوياً ومعرفياً مع عدم تنازله عن الهدف الأعلى للقصيدة وجدانياً وخلقياً وتربوياً وجسدياً ونفسياً”.
وفي معايشة المؤلف لقصيدة “ليلة الحناء” للشاعرة انتصار البحري يقول: “إن الشعر الوجداني لدى الشاعرة انتصار البحري تشمخ واثقة فتتقد مفاتيح التواصل والاتصال ويهطل الندى في العروق”.
ووجد في مجموعة “حكايات الصفصافة والماء.. لسنا صغاراً” للأديبة أميمة إبراهيم ما يهم الأطفال، بسبب حرصها على الالتزام بشروط الكتابة للأطفال، وبسبب وضوح الإبداع والابتكار والتشويق في مؤلفاتها عامة، وحكايات الصفصافة، يقول: “إن المتح من واقع الحياة، وبالتحديد من واقع الطفل توجه يسعد الطفل ويشدّه إلى القصة، وعندما فعلت القاصة أميمة إبراهيم ذلك كانت تهدف إلى التشويق من ناحية، وإلى تمرير أمور يحتاجها الطفل من ناحية أخرى”.
وعن مجموعة “قصص الرمان” للكاتبة سريعة حديد تحدث المؤلف عن دور القصص المؤثر في تنمية وبناء شخصية الطفل، كما تحدث عن إبداع الكاتبة سريعة في مجال أدب الأطفال وأهمية منجزها وأثره في نفوس الأطفال، يوضّح: “إن القاصة سريعة حديد جعلت السرد القصصي في مجموعة الرمان أشبه بقوس قزح، فهي بالإضافة إلى اعتماد الرشاقة والملاءمة، عززت صيغة الحوار في السرد بعناية بهدف الإقناع والتأثير في الطفل، وذلك توجه مهم يدل على حنكة وخبرة”.
وينير الخواجة على البنية الفنية في مجموعة “قصص وحكايات” للأديب جمال قاسم السلومي، إذ يتوقّف السلومي عند الحوار والشخصيات والمونولوج الداخلي، يقول: “إن هذه المجموعة تنتمي إلى الحكاية الخالصة التي لا تنفر من الواقع، ولا تجافي المنطق، فهي تهتم بسرد الأحداث والأقوال والحوارات، كما تركز على منطوق الشخصيات وفق رؤية الكاتب ورؤياه ووعيه ومقاصد الكتابة لديه”.
وفي حديثه عن مسرح الطفل في سورية قبل وبعد الحرب يؤكد الخواجة أهمية ما قدمه كتاب المسرح في سورية في هذا المجال، ليس على صعيد النص فقط، بل على صعيدي النص والعرض المسرحي ويرى أن هذا المسرح أثّر في بناء الطفل وتعميق ثقافته ومعرفته، كما ساهمت في تعزيز الهوية الوطنية والقيم والتربويات، يضيف: “إن ظاهرة مسرح الطلائع في سورية تحتاج إلى كتب وبحوث معمقة حقاً، ويكفي الإشارة إلى أن النصوص المسرحية التي عرضت في مهرجان مسرح الطلائع للطفل تقارب إلى ثلاثمائة عرضاً، قسم كبير من هذه العروض كتبه مبدعون حقيقيون في المسرح، ولهذا حقق أهدافه في النجاح والتأثير”.
وأشاد الخواجة بالجهد الذي بذله المسرحي الدكتور حمدي موصلي في إنجاز كتابه الصادر عن الهيئة العربية للمسرح “الوجيز في تاريخ المسرح العالمي”، وهو بهذا الإصدار يسجل بقعة ضوء منيرة في المكتبة المسرحية العربية، لكونه يثري المكتبة ويقدم معلومات للطلاب والباحثين والدارسين مهمة جداً في بحوثهم ودراساتهم، يقول: “إن هذا الكتاب يعد ثورة معرفية ومسرحية وثقافية فقد قدم تاريخ المسرح العالمي بأسلوب سهل ورؤية معمقة ومحايدة”.
ولأنه من غير الممكن الحديث عمّا ورد في هذا الإصدار المتميز، فإنني أشير إلى الكتّاب الذين قارب مؤلفاتهم كالشاعر محمد إدريس، والقاصة سها إبراهيم شريف، والروائي الدكتور محمد حمدان بن جرش، والشاعر وجيه البارودي، والمسرحي فؤاد الشطي، ورائد المسرح السوري أبي خليل القباني، والمسرحية العراقية إيمان الكبيسي، والمسرح التسجيلي، والمسرح الوثائقي وغير ذلك.
أخيراً.. نحن بحاجة حقاً لمثل هذه الكتب النقدية التي تعرفنا إلى ما يصدر من إبداعات في الوطن العربي، بالإضافة إلى أن الناقد المعروف الدكتور هيثم يحيى الخواجة يقدم مقاربات تتصف بالرؤية السديدة والمخلصة بعيداً عن التجني أو الهوى أو الانحياز.
يذكر أنّ الكتاب صادر عن دار “ميتا فير برس” للنشر والطباعة والتوزيع 2023.