ملاحظات حول الانتخابات والاستئناس الحزبي
تمثل الانتخابات المحور الأساسي في تطبيق مبدأ الديمقراطية الشعبية، فمن خلالها يتم اختيار ممثلي الشعب للإسهام مع المؤسسات الحكومية في اتخاذ القرارات الرئيسة، وتحقيق الطموحات الجماهيرية. وعلى الرغم من أن الانتخابات ترتبط غالباً بالأسماء التي تفوز فيها، إلا أن الجوهر الحقيقي للانتخابات يكمن في المشاركة الواسعة بها، وفق ما أكّده السيد الرئيس بشار الأسد عندما قال: “أهم ما في الانتخابات ليس الأسماء التي تفوز فيها، وإنما المشاركة الواسعة بها، ولذلك فإن نتائج الانتخابات حينها تعكس قرار ورغبة الأغلبية، وهذا هو جوهر الانتخابات”.
إذن الانتخابات ليست مجرد آلية لاختيار عدد من المرشحين؛ إنها تعبير حي عن إرادة الشعب، فالجوهر الحقيقي للانتخابات لا يكمن في النتائج فحسب، بل في المشاركة الواسعة التي تعكس التزام المواطنين ببناء مستقبلهم وتحقيق طموحاتهم.
المشاركة الواسعة تضمن أن تكون الانتخابات ممثلة للإرادة العامة، فكلما زاد عدد المشاركين، كانت النتائج أكثر دقة في تمثيل الرأي العام. وهذا التمثيل الحقيقي هو الذي يعطي الشرعية للمنتخبين ويعزّز الثقة في منظومة الدولة.
المشاركة في الانتخابات حق لكل مواطن، وفي الوقت نفسه، واجب. وهنا الامتناع عن التصويت يعني التخلي عن الحق في التأثير في القرارات التي تنعكس على الحياة اليومية، وبالتالي المشاركة الفعّالة هي الطريقة التي يمكن بها للمواطنين الحفاظ على حقوقهم والمساهمة في تطوير مجتمعهم.
وهكذا فإن زيادة نسبة المشاركة تمثل واحدة من التحديات الرئيسة التي تواجه الانتخابات. وهو ما يمكن تجاوزه من خلال التثقيف الاجتماعي والسياسي، وتسهيل عملية التصويت، وتشجيع الحوار العام بما يتيح خلق بيئة تشجّع على المشاركة النشطة والمستنيرة.
وهنا يمكننا القول: إن المشاركة الواسعة في الانتخابات هي الأساس الذي تقوم عليه الديمقراطية الحقيقية. إنها تعكس صحة النظام السياسي وتعزّز الشرعية والثقة.
تمثيل متنوّع
المشاركة الواسعة في الانتخابات تُسهم بشكل كبير في تحقيق تمثيل متنوّع للشعب داخل الحكومة. هذا التنوّع يعكس التركيبة الاجتماعية والثقافية للمجتمع، ويضمن أن يكون للأصوات المختلفة وجهات نظر متنوعة في صنع القرار السياسي.
عندما يشارك أفراد المجتمع من مختلف الخلفيات والأيديولوجيات في العملية الانتخابية، يُسهم ذلك في إنشاء حكومة تعبّر عن الطيف الواسع للآراء والمصالح. هذا التمثيل المتنوّع سيؤدّي إلى اعتماد سياسات أكثر شمولية وعدالة، تأخذ بعين الاعتبار احتياجات وتطلعات جميع شرائح المجتمع.
بالإضافة إلى ذلك، تعزّز المشاركة الواسعة، الشفافية والمساءلة في الحكومة، حيث تُمكّن المواطنين من مراقبة الأداء الحكومي والمطالبة بالمسؤولية، كما أنها تُشجّع على الحوار والتفاهم المتبادل بين الأفراد والجماعات ذات المصالح المختلفة، ما يسهم في تعزيز السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي.
هنا، يمكننا القول: إن المشاركة الواسعة ليست فقط مفيدة لتحقيق تمثيل متنوّع، بل هي أيضاً ضرورية لضمان حكومة فعّالة ومستجيبة تعمل لمصلحة الجميع دون استثناء.
تعزيز الوحدة الوطنية
تلعب المشاركة الواسعة في الانتخابات دوراً مهماً في تعزيز الوحدة الوطنية وتجميع شرائح المجتمع حول قضايا مشتركة.
عندما تشارك جميع فئات المجتمع في الانتخابات، يُظهر ذلك التفاعل والاهتمام المشترك بمستقبل الوطن. فالانتخابات مناسبة للمواطنين للتجمع والتفاعل معاً، سواء أثناء التصويت أم في الحملات الانتخابية، كما أنها تعزّز الوعي السياسي وتجعل الناس يفكّرون في مصلحة الوطن بشكل أكبر.
وتُعد الانتخابات مناسبة للنقاش والحوار حول القضايا الوطنية المهمة، حيث يتم تسليط الضوء على القضايا المحورية مثل الاقتصاد، والتعليم، والصحة، والبيئة، والأمان، والعدالة الاجتماعية، وبالتالي تُشجّع الناس على التفكير في مصلحة الجميع والبحث عن حلول مشتركة.
وتُعزّز الانتخابات الانتماء إلى الوطن والشعور بالمجتمع الواحد، وهذا ينعكس تأكيداً للهوية الوطنية من خلال المشاركة في العملية الانتخابية.
المشروع الانتخابي للمرشح
في ضوء ما تقدّم يتوجّب على المرشح أن يتعامل مع موضوع الترشيح بمسؤولية، بعيداً عن استثارة عواطف الفئات الشعبية واعتماد العلاقات الضيقة، وهذا يعني أن يكون شفافاً وصادقاً في خططه وبرنامجه وأهدافه للفترة الانتخابية.
على المرشح أن يكون قادراً على التواصل مع الجمهور بشكل فعّال من منطلق منهجي متكامل، يطرح من خلاله مشروعه الانتخابي آخذاً بعين الاعتبار احتياجات ورغبات المواطنين، متضمّناً تقديم حلول وبرامج واضحة وواقعية للمشكلات والتحدّيات التي تواجه المجتمع.
من هنا، نستطيع القول: إن استبدال المشروع الانتخابي بطرق ملتوية كاستخدام المال وتوزيع الهدايا، يمثل أكبر المخاطر التي تهدّد الانتخابات بشكل عام، وتبعدها عن مسارها الطبيعي، والطرق الأكثر جدوى في هذا المجال هي تلك التي تعتمد على العمل المنهجي بجد واجتهاد من أجل مصلحة الشعب والوطن دون تحيز أو فساد، ومن ثمّ بناء تحالفات منهجية مرتبطة بمشاريع مشتركة ومتكاملة، وتعاون مع الأطراف الأخرى لتحقيق الاستقرار والتنمية. وأخيراً، العمل بأمانة وبشفافية وبتفانٍ لخدمة المواطنين والوطن.
الاستئناس الحزبي
يخضع المرشح البعثي لمرحلة مسبقة تؤهّله كي يكون عضواً في قائمة مرشحي حزب البعث العربي الاشتراكي وهي مرحلة الاستئناس الحزبي، التي يتم من خلالها اكتشاف مستوى قبول المرشح من القاعدة البعثية التي سيمثلها، وتعدّ هذه المرحلة أساسية لخوض البعثيين غمار الانتخابات.
الاستئناس الحزبي لا يقل أهمية عن الانتخابات النهائية، وهنا تتحمّل القواعد البعثية مسؤولية الاختيار السليم، الذي يعتمد على مبادئ أساسية أهمها أن يكون المرشح مؤهلاً لتحمّل المسؤوليات التي ستناط به في عضوية مجلس الشعب، ولا يمكن اكتشاف ذلك إلا من خلال معرفة المرشح بشكل جيد، ولا نقصد هنا العلاقات العامة أو علاقات الأقارب والأصدقاء أو الانتماءات العشائرية، وإنما نقصد قدرته على وضع مشروع انتخابي يجسّد طموحات القاعدة البعثية أوّلاً والشرائح الاجتماعية التي يمثلها بشكل عام، وأن يتمتع بتاريخ يؤكد صدقيّته في كل ما يطرح.
مناف الفلاح
عضو مجلس الشعب