تحقيقاتصحيفة البعث

مشاريع صغيرة تنهض بإمكانات بسيطة.. فهل من داعم حقيقي لها بعيداً عن الوعود المعسولة؟

ليندا تلي

حظيت المشروعات الصغيرة باهتمام كبير لأنها تؤثر في المستوى المعيشي والقدرة الإنتاجية للشرائح الاجتماعية التي تزاول تلك المشاريع، ولكي تتحوّل تلك المشروعات إلى متوسطة وكبيرة بغية إنعاش الاقتصاد السوري، تمّ التوجيه بتصحيح الهيكليات وتطوير البنية التنظيمية والهيئات المعنية بالمشروعات.

مشاريع ناجحة

السيدة ازدهار “أم فادي” ابنة قرية متن الساحل الحاصلة على شهادة التعليم الثانوي، ولديها ثلاثة صبيان، قالت في حديثها لـ”البعث”: وجدت في مهنة صناعة الحلويات ملاذاً لكسب ما يسدّ رمق عائلتي، مضيفة: “رغم أن البداية كانت من تحت الصفر بأدوات بسيطة جداً إلا أنها كانت موفّقة، وبدأ عملي يتوسّع شيئاً فشيئاً”، ولم تنسَ أم فادي أن تتطرّق إلى ذكر دور السوشيال ميديا، وخاصة صفحات المحافظات قاطبة عبر ترويجها لصور منتجاتها وخصِّها بجميل الكلام والثناء والتقدير لعملها المميز وتضحيتها في سبيل أن تنعم عائلتها بستر الحال، وذلك الضخّ الإلكتروني أدخلها استوديوهات المراكز الإذاعية والتلفزيونية للتعريف بمنتجاتها الريفية.

بدائية الأدوات

وأحياناً يشاء القدر أن تكون له بصمة في حياة كل منّا، وانسحب هذا الأمر على السيدة الأربعينية حيث كان لتسويقها الإلكتروني دور  بارز في أن تتابع الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية عملها إلكترونياً الذي راح يضاهي عمل المحلات والمعامل رغم بدائية الأدوات التي وضّحتها الصور، ومن ثمّ اطّلعت عليه عن كثب في المنزل وقدّمت لها التجهيزات اللازمة للعمل من فرن معمل حلويات وعجّانة كهربائية وبرّاد عرض للحلويات بواجهة بللور، واليوم ابنة طرطوس تقوم بصناعة الحلويات من عجن وتحضير وشيّ وتشكيل الحلو بمفردها في منزلها وأحياناً بمساعدة أولادها، متمنية أن يلقى مشروعها الدعم والمساندة من الجهات المعنية ليحقق نجاحاً أكثر.

مطبخ صغير

من مطبخ بيتها الصغير بقرية خيارة دنون بمنطقة الكسوة، انطلقت خالدة بمشروع صناعة الألبان والأجبان عبر فكرة لمعت في ذهنها استلهمتها من والدتها التي كانت مميزة بتلك المهنة، وبأدوات بسيطة بدائية كانت تشتري الحليب وتصنّع منتجاتها وتعرضها على الأصدقاء والجيران، ورغم كل ما تكبّدته من آلام ظلّت صامدة وأكسبتها جودة منتجاتها ونظافتها شعبية كبيرة حتى باتت تُطلب منتجاتها إلى خارج البلاد عبر أقاربهم وأهاليهم.

وقامت السيدة خالدة بتخصيص غرفة نومها لتكون مشغلها، حيث قسّمتها إلى جزءين واحد للجلي والتوضيب والآخر للبيع، وتوسّع عملها إلى جبنة ولبنة ولبن وحليب، وشيئاً فشيئاً بدأ عملها يتوسّع حتى اشترت برّاد واجهة بالتقسيط، وهذا كان إنجازاً عظيماً وفق كلامها، وتعلّمت صناعة السمنة العربية من البدو المجاورين لها ونجحت بذلك وبدت من أجود منتجاتها، ثم انتقلت إلى صناعة المكدوس وعرضته ووجدت إقبالاً كثيفاً، وكذلك المربيات بأنواعها والملوخية أي كلّ ما يخصّ مونة المنزل من زيتون وسمنه وكشكة خضراء ويابسة وغيرها.

معمل واسع

ذات الأربعة والخمسين عاماً الحاصلة على شهادة البكالوريا والأمّ لخمسة أولاد متميزين دراسياً، وبعد غياب زوجها خارج البلاد مدة سنتين بحثاً عن فرصة عمل عاد ليجد مشروع عمل قائماً بحدّ ذاته في منزله، فاشترى دراجة هوائية بغية توزيع المنتجات على المحلات والباعة، وتطوّر عملها شيئاً فشيئاً إلى أن تمكّنت من سداد جميع ديونها وشراء سيارة فان مغلقة لحماية المنتجات من الغبار أثناء توزيعها، ثمّ طوّرت أدواتها أكثر وانضمّ إلى معملها كادر فاستأجرت معملاً أوسع على الخط الصناعي حيث الكهرباء متوفرة على مدار الساعة.

أمنية

واللافت في حديثها زيارة مدرّسيها وعرضهم الدعم والمساعدة لها باعتبارها مثال المرأة المضحية والمكافحة كما كانت دراسياً، وذلك بعد رؤية اسمها على لصاقات المنتجات، وكان للجمعيات الخيرية والتعاونية دور كبير في الوقوف إلى جانبها ودعمها عبر تصوير منتجاتها تلفزيونياً بغية تسويقها.

عملها كان يدوياً بحتاً على الغازات والبوابير وعبر الحلل الكبيرة والصغيرة، وقد حصلت على سجل صناعي وقرار تجاري باعتبارها مصنّعة وعملت ملصقاً لكل منتجاتها تحت ماركة “أم رامز” وأكبر الشركات تطلب منتجاتها وتعلّبها على اسمها، وتطمح أم رامز إلى أن تتمكّن يوماً من تعليب منتجاتها بنفسها مطبوعة باسمها وتقوم بتوزيعها وشراء آلة لتغليف القشقوان وغرفة تبريد كبير وأن تنتشر منتجاتها عبر أرجاء العالم.

دعم كبير

كانت المشروعات الصغيرة بديلاً لتحريك الاقتصاد ودوران عجلته باعتبار أن المشروعات الكبيرة تستأثر ببعض الملاءات المالية العالية، وفق ما ذكر الخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة، مضيفاً: إن المشروعات الصغيرة حظيت باهتمام خاص من السيد الرئيس بشار الأسد بإيلاء أولويّة لها ودعمها، ولفت حبزة إلى وجود كتلة مالية حدّدت لدعم المشاريع الصغيرة في حال وصلت إلى الناس المستهدفة ما يعدّ أمراً جيّداً، أي أن مجموعة مشاريع تصبّ بخانة واحدة يمكن أن تشكّل مشاريع متوسطة، وبالتالي مجموعة على شكل مشاريع كبيرة، وهذا كلّه في ظل واقع الاقتصاد الحالي، وبعض مشاريع المقابل “اقتصاد الظل” غير المعروفة التي نُظمت بهذه العملية من خلال دعمها وطرح منتجاتها بشكل نظامي وتشجيع الجهات الحكومية لها.

لا شيء على أرض الواقع

ومن عوائق الارتقاء بعمل المشروعات الصغيرة عدم صرف المبالغ التي رُصدت للمشاريع، ووصولها لمستحقيها، وتأمين سوق استهلاكي لها، وهنا تمنى حبزة من الجهات المعنية أخذ هذه المواد وأن تخصّص لها أمكنة مجّانية، وبهذا تكون قد شجّعت أصحاب المشاريع على عرض منتجاتهم، وفي الوقت ذاته تكون ساهمت في عمل دعاية لمنتجاتهم، متمنياً أيضاً على المجتمع الأهلي أن يقوم بعمل دعاية لتسويق تلك المواد وتأمين منافذ لبيعها، وإعفائها من بعض الأمور مثل حوامل الطاقة، وموضوع النقل، كما طلب من الجهات الحكومية مساعدة أصحاب تلك المشروعات عبر تأمين المواد الأولية ورصد كميات من المنتج المحلي بسعر منخفض خاص لهذه المشروعات، وتأمين منافذ البيع مع دعم مادي ودعاية إعلانية جيدة تخلق وكلاء، وهنا يعقّب حبزة بأنه وضمن المعطيات الحالية لم يُلمس هذا على أرض الواقع رغم التشجيع والتوجيهات الحكومية، ولم نلحظ الثمرة الكبيرة التي ترفد الاقتصاد رغم أن المشروعات الصغيرة تعدّ رافداً اقتصادياً كبيراً يعزز الدخل القومي!.

ولفت إلى أنه في حال توفر المحفزات وإزالة العقبات يتم دعم الاقتصاد الوطني، ولو كان الإنتاج قليلاً، مؤكداً ضرورة عدم وجود وسيط بين صاحب المشروع الصغير والمستهلك، ما من شأنه أن يقلل الكلفة المادية والسعر الذي يُباع به بشكل نهائي.