تصدير ما يمكن تصديره..!!
علي عبود
من المبالغة تحميل تصدير بعض السلع والمواد مسؤولية ارتفاع أسعارها إلى مستويات لا يقوى ملايين السوريين على شرائها، وبالتالي فإن المطالبة بإلغاء تصديرها يضرّ بالمنتجين، ولا يعود بالفائدة على المستهلكين!
لقد أطلق الحكومة في تسعينيات القرن الماضي شعار “تصدير ما يمكن تصديره” في حقبة الوفرة في السلع والمواد الغذائية، وكان الهدف زيادة واردات القطع الأجنبي للحفاظ على قوة الليرة السورية من جهة، ودعم المنتجين في القطاعين الزراعي والصناعي من جهة أخرى.
وبما أن المصدر الوحيد للقطع الأجنبي منذ سنوات هو التصدير، بالإضافة إلى الحوالات، فإن الاعتراض على تصدير السلع والمواد التي تفيض عن حاجة الاستهلاك، كالحمضيات وزيت الزيتون والأغنام، غير مفهوم، مادام يُحسّن الأوضاع المادية للمزارعين، ويُجنّبهم الخسائر.
ويرى البعض أن التصدير يحرم الأسواق من سلع ومواد أساسية، وهذا غير صحيح بالمطلق، فإذا كان السماح بتصدير الخضار والفواكه يرفع أسعارها خارج مواسمها، فإنه يعيد التوازن ما بين كلفها وأسعارها في ذروة إنتاجها!
كما أن هناك بعض السلع ارتفعت كلف إنتاجها بقرارات حكومية كزيت الزيتون، أو خرجت من موائد الكثير من السوريين باستثناء المناسبات النادرة بفعل ضعف القدرة كاللحوم، وبالتالي فإن تصديرها يضمن استمرارية إنتاجها ومنع كسادها، أو إتلافها ويُجنّب منتجيها الخسائر الكبيرة، التي ستدفعهم إلى استبدالها بمحاصيل أقلّ كلفة وأسرع مردوداً!
المسألة لم تعد في سورية منذ سنوات “عرض وطلب”، وإنما هوّة تتسع يوماً بعد يوم ما بين الأجور والأسعار، وحلّها يقع على مسؤولية الحكومة، لا على المنتجين الذين هم أيضاً يعانون في تأمين سلع أساسية يضطرون لشرائها من الأسواق!
نعم، في ظلّ التشوهات السعرية، بفعل رفع الحكومة أسعار مستلزمات الإنتاج، مع تدهور مستمر للقوة الشرائية للعاملين بأجر بسبب تعديلات متتالية لسعر الصرف، من الضروري العودة إلى العمل بشعار “تصدير ما يمكن تصديره” مع إجراءات وشروط تضمن استمرار توافر بعضها بأسعار أرخص، كاللحوم.
لقد وافقت الحكومة مثلاً في 6/ 12/ 2023 على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة السماح بتصدير ذكور أغنام العواس والماعز الجبلي طوال العام، باستثناء فترة التكاثر الممتدة من 1/ 12 ولغاية 31/ 3) من كلّ عام، وهو قرار جيد لو اقترن بشرط استيراد اللحوم المجمدة أوالرخيصة!
لقد سمحت حكومة تسعينيات القرن الماضي بتصدير أغنام العواس السورية، وهي الأغلى في العالم، وفق التالي: تصدير رأس غنم مقابل استيراد رأسي غنم من نوع بيلا. وأدّى ذلك القرار إلى توفر اللحوم الرخيصة بما يناسب دخل ملايين السوريين، ويقوم لبنان أيضاً باستيراد اللحوم المجمّدة والرخيصة إلى جانب اللحوم الجيدة، وبذلك يتراوح سعر كيلو الغنم في أسواقه بين 8 – 23 دولاراً!
الخلاصة: لا يمكن لأي دولة في العالم أن تتوقف عن تصدير منتجاتها الصناعية والزراعية، كما فعلت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011، وقد بدأت سورية فعلاً تفقد أسواقها التقليدية وتحديداً على صعيد الألبسة الجاهزة بفعل القرارات الحكومية برفع مستلزمات إنتاجها ورسومها الجمركية والضريبية، دون تقديم أيّ دعم لها يتيح لها المنافسة والحفاظ على ما تبقّى لها من أسواق تشفطها تباعاً الدول الأخرى.