دراساتصحيفة البعث

“لا أحد فوق القانون”.. يا للسخرية!!

سمر سامي السمارة

بعد إصدار هيئة المحلفين حكمها بإدانة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتهم جنائية بسبب تزوير سجلات تجارية ووثائق تتعلق بدفع أموال للنجمة الإباحية ستورمي دانيلز من محاميه الشخصي آنذاك قبل انتخابات 2016، سارعت حملة بايدن بإصدار بيان ادّعت فيه أن الحكم أظهر أنه “لا أحد فوق القانون”، ولا حتى رئيس سابق، على الرغم من الحقيقة الدامغة في أن أغلبية القوانين الجنائية لا تشكّل رادعاً للانتهاكات الخطيرة للقانون التي يرتكبها رؤساء الولايات المتحدة أثناء توليهم السلطة.

من الواضح، أن هذه القوانين لم تشكّل أيضاً رادعاً للرئيس الحالي جو بايدن، وخاصة فيما يتعلق بالقرارات الخارجية والعسكرية، فهناك ما لا يقل عن خمسة قوانين اتحادية قائمة منذ فترة طويلة، تحدّد شروط شحن الأسلحة إلى دول أجنبية، حيث لا يحق قانوناً للإدارة الأمريكية إرسال الأسلحة للدول التي تنتهك حقوق الإنسان أو تستخدم هذه الأسلحة بشكل هجومي، لكن بايدن يثبت يومياً أنه شريك في العدوان الإسرائيلي، وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها نتنياهو والمذابح الجماعية بحق الأطفال والنساء والرجال الأبرياء، من خلال انتهاكه كل هذه القوانين.

وباعتباره الداعم العسكري والدبلوماسي والسياسي الرئيس للحصار والمجازر التي ترتكبها حكومة الاحتلال، من خلال إرساله غير المشروط لأسلحة الدمار الشامل، إلى جانب عمليات قصف المدنيين وتجويع الفلسطينيين العزل في غزة، ينتهك بايدن ميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات الأخرى التي وقعتها الإدارات السابقة، والتي تم التصديق عليها من مجلس الشيوخ الأمريكي.

وبطبيعة الحال فإن ما ينطبق على بايدن ينطبق أيضاً على غيره من رؤساء الولايات المتحدة السابقين وكأنهم فوق هذه القوانين وغيرها.

وفي انتهاك صارخ للقانون الاتحادي، لم يتوانَ أي من رؤساء الولايات المتحدة عن إنفاق أموال لم يخصّصها الكونغرس، وتحدّي مذكرات الاستدعاء الصادرة، وشن حروب لم يعلن عنها الكونغرس، وإرسال أسلحة فتاكة إلى الدول التي تعرقل إيصال المساعدات الإنسانية الأمريكية، والتي لا تحمي السكان المدنيين تحت الحكم العسكري الأجنبي.

لم يخجل ترامب في تصريحاته عام 2019 من القول: إن المادة الثانية من الدستور تمنحه سلطات مطلقة تجعله “يفعل كل ما يحلو له”، وهذا ما حدث، فقد أفلت ترامب من عقابه بتحدّي أكثر من 125 أمر استدعاء من الكونغرس، وبانتهاك القانون الجنائي المعروف باسم قانون هاتش باستخدام البيت الأبيض وممتلكات فيدرالية أخرى للترويج لحملة إعادة انتخابه.

والأمر نفسه ينسحب على بايدن الذي يتلاعب بالأموال غير المخصّصة، ويواصل السماح بانتهاك القانون الفيدرالي لعام 1992 الذي يلزم البنتاغون بتزويد الكونغرس بميزانية عسكرية مدققة، ويقوم باستمرار بشن غارات مسلحة غير قانونية في بلدان أخرى.

ولجعل الأمور أسهل على الرؤساء، قدّم مكتب المستشار القانوني بوزارة العدل مذكرة تؤكد أنه لا يمكن رفع دعوى جنائية ضد رئيس حالي، لقد حمت وحصّنت المحاكم الرؤساء من المساءلة عن الجرائم المرتكبة من البيت الأبيض أو من إدارة الرئيس، وحسب المحكمة العليا لا يتمتع المواطنون “بأهلية المقاضاة” للطعن أمام المحكمة في مجموعة متنوعة من انتهاكات السلطة التنفيذية، ولا حتى أعضاء الكونغرس. أما فيما يتعلق بالانتهاكات الرئاسية للدستور والقوانين الفيدرالية من خلال شنّ حروب غير قانونية أو هجمات مسلحة في الخارج، فإن المحاكم ترفض مثل هذه القضايا، قائلة: إنها تثير “مسائل سياسية” خارج نطاق اختصاص المحاكم.

إن السماح لرؤساء الولايات المتحدة بالإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة، هو ما يُطلق عليه المتخصّص في القانون الدستوري بروس فين، “أسلوب حياة في البيت الأبيض”، فعرقلة العدالة أو عدم التنفيذ المتعمّد للقوانين التي تم انتهاكها بشكل خطير هي السمة المميزة لكل رئاسة، حيث اكتفى ترامب بالتفاخر وتكثيف جهوده بما ورثه.

مرة أخرى، يعمل الرؤساء في ظل نظام يتمتع بقدر كبير من الحصانة السيادية، وقانون لا يمكنه انتهاك هذه الحصانة المحمية أو لا ينتهكها، لذا فهم حقاً فوق القوانين الجنائية، حتى إن العقوبة السياسية الصعبة للغاية المتمثلة في عزلهم من مجلس النواب وإدانتهم من ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ لا يمكن إلا أن تطردهم من مناصبهم، وبعد ذلك يصبحون أحراراً في الاستمتاع بالحياة، ويتلقّون رسوم محاضرات ضخمة وسلفاً ضخمة للكتب.