نهاية نتنياهو الحتمية
عناية ناصر
بعد ساعات فقط من ارتكاب “إسرائيل” مجزرة الخيام البشعة بحق الفلسطينيين النازحين في منطقة تل السلطان غرب رفح في قطاع غزة في 26 الشهر الجاري، نفّذت مجزرة أخرى في منطقة المواصي بالقرب من رفح. وقد حدث ذلك بعد وقت قصير من إصدار محكمة العدل الدولية أمراً صارماً مفاده أنه يجب على “إسرائيل” أن توقف فوراً هجومها العسكري وأي عمل آخر في رفح قد يفرض على سكان قطاع غزة ظروفاً معيشية يمكن أن تؤدّي إلى تدميرها المادي بشكل كلي أو جزئي.
لقد كان استهداف 50 فلسطينياً في خيام نزوحهم هو الردّ الذي قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة لمحكمة العدل الدولية والمجتمع الدولي. تظهر المجازر الإسرائيلية المتعاقبة في رفح مدى تعنّت نظام الإبادة الجماعية الإسرائيلي، حيث اختار نتنياهو ووزير جربه يوآف غالانت، اللذان كان من الممكن أن يصبحا على قائمة “المطلوبين” للمحكمة الجنائية الدولية في غضون أسابيع، قتل المدنيين، والذين أدّت قنابلهم الخارقة للتحصينات التي يبلغ وزنها 2000 رطل إلى تقطيع أوصال الأطفال وقطع رؤوسهم وهم يرقدون بجانب أمهاتهم في مخيمات مؤقتة لا يوجد بها ماء ولا كهرباء ولا طعام.
قدّمت قوات الكيان الإسرائيلي للعالم نسخة ملفّقة بوضوح لما حدث، ووصف مكتب نتنياهو الهجوم بأنه خطأ. والرواية الإسرائيلية، بالطبع، مجرد أكاذيب، إذ يمتلك الجيش الإسرائيلي بعضاً من تقنيات المراقبة الأكثر تقدّماً في العالم، وذلك بفضل كرم وسخاء الولايات المتحدة ودعمها المستمر، وكان من الممكن التمييز بسهولة بين منطقة عمليات المقاومة الفلسطينية ومخيم اللاجئين المكتظ بالأطفال والنساء.
إن مجزرة الخيام لم تكن خطأ، ولا يمكن إلقاء اللوم فيها على “مسلحين وهميين” حسب زعم نتنياهو، يعملون من داخل خيام اللاجئين النازحين. ومع ذلك، كان لنتنياهو منطقه الخاص، حيث أراد بداية أن يبعث رسالة مباشرة لمحكمة العدل الدولية مفادها أن “إسرائيل” ليست منزعجة من أمرها المباشر بإنهاء عملية رفح. ولم يكن المستهدف بهذه الرسالة بالضرورة قضاة محكمة العدل الدولية، بل المجتمع الدولي، الذي يظل، على الرغم من خطابه التضامني، غير فعّال في التأثير في مدة الحرب الإسرائيلية أو اتجاهها أو طبيعتها، كما أراد نتنياهو تسجيل نقاط سياسية رخيصة ضد منافسيه في حكومته الحربية، من خلال تقديم نفسه على أنه الزعيم الإسرائيلي الجريء الذي يقف في وجه العالم أجمع.. ومن وجهة نظر عسكرية، ينبغي أن يكون أسر المزيد من الجنود الذين تم إرسالهم إلى غزة من أجل إطلاق سراح أسرى إسرائيليين آخرين بمنزلة لحظة “انتهت اللعبة”.
يحاول نتنياهو وقوات كيانه جاهدين استباق ردّ الفعل الغاضب في المجتمع الإسرائيلي بشأن أسر الجنود من خلال إبقاء الأخبار مركزة على رفح، وهو يعلم أن مثل هذه المجازر توسّع دائرة دعمه بين ناخبيه اليمينيين المتطرّفين.
علاوة على ذلك، كان توقيت المجزرة أيضاً رسالة إلى الولايات المتحدة وحتى إلى أعضاء مجلس وزراء الحرب الحريصين على إنهاء الحرب من خلال اتفاق هدنة. وتحدّثت تقارير إعلامية عن انفراجة محتملة في المحادثات، بدءاً من باريس قبل الانتقال إلى الدوحة، وهو ما أبدى بعض الاستعداد من جانب “إسرائيل” لربط إطلاق سراح الأسرى بهدنة دائمة.
إن هذا الاتفاق سيعدّ هزيمة من وجهة نظر نتنياهو، ومن المؤكد أنه سيكون إيذاناً بنهاية حياته السياسية. لذا انتقد ببساطة لاجئي رفح على أمل تعطيل أي اتفاق محتمل في الدوحة. وللسبب نفسه، فتحت قواته النار على الجنود المصريين عند معبر رفح، ما أسفر عن مقتل جندي، وربما اثنين، وإصابة آخرين.
وعلى الرغم من أن نتنياهو ليس لديه استراتيجية للحرب نفسها، إلا أن لديه استراتيجية لإطالة أمد بقائه السياسي، فهو يقوم بخلط الأوراق السياسية، وإشاعة الفوضى، وارتكاب مجازر مستمرة ضد المدنيين، وكل ذلك لعلمه أن واشنطن ستبقى إلى جانبه دائماً مهما حدث، ومع ذلك، نتنياهو يشتري الوقت فقط. ويدرك كبار الجنرالات والخبراء العسكريون والمحللون في “إسرائيل” أن الحرب قد انتهت، وأن إطالة أمدها لن يغيّر بأي حال من الأحوال نتائجها الكارثية عليه.