الزمن وأثر تغيراته على الإنسان في معرض عصام المأمون
ملده شويكاني
اللوحات التي ألصقت على الباب الخشبي الصغير بني اللون في ركن جانبي من صالة “الرواق العربي”، أشارت إلى الإنسان وما يتركه من أثر يبقى على الرغم من تغييرات الزمن، في معرض عصام المأمون الغني بالتقنيات وباللغة البصرية التي عبّرت عن الهمّ الإنساني ضمن مساره المتفرد بتجربته وأدواته.
وشهد المعرض الذي افتتحته وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح بحضور رسمي مع المهندس عرفان أبو الشامات رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين والفنان غسان غانم أمين السرّ العام لاتحاد الفنانين التشكيليين وعدد من الفنانين والمهتمين، صدى إيجابياً، نظراً لتنوع الأعمال بين الرسم والغرافيك والدمج بين النحت والرسم التقنية التي اتصف بها المأمون.
وجمع المعرض بين اللوحات الكبيرة والصغيرة، وقُسم إلى مجموعات تحمل كل واحدة منها مضموناً خاصاً ومساحات فكرية ورمزية تعبيرية تحرّض المتلقي على استنباط قراءات ورؤى.
استخدم المأمون تقنيات متعددة تتبع لتجربته مثل التنك والزجاج والخشب موّظفة داخل تكوينات اللوحة بالكولاج المنوّع من مواد وقصاصات، وفي هذا المعرض وظّف ضمن الكولاج الأسنان البديلة مع قطع الزجاج التي اندمجت مع ملامح الوجوه، التي أتعبها الزمن وهدها الشقاء والخوف وقسوة البشر والحرب.
وتناول في أعماله التغييرات الاجتماعية والاقتصادية خلال السنوات الأخيرة التي ارتبطت بالحرب بشكل خاص، وأثرت على حياة الإنسان وجعلته يعاني الفقر والضياع والتشتت، ففي بعض اللوحات أدخل قطع النقود الورقية القديمة وفي أخرى الفواتير المنزلية الاستهلاكية، وفي مجموعة أخرى أشار إلى دور الثقافة باستخدامه النوتة والعلامات الموسيقية في خلفية اللوحة، بالإضافة إلى العنف الذي يواجهه الإنسان بوجود السكين داخل تكوينات اللوحة، وفي أخرى تطرق إلى صورة العدو الذي يهاجم الأسر الآمنة، كما كانت المرأة حاضرة بقوة بمحيط اجتماعي وثنائي مع الرجل بأطر حكايات واقعية، لكن ثمة مسحة حزن لا تغيب عن ملامح وجوهه الضبابية، ولعل أكثر المضامين وحعاً هي حالة الانكسار الداخلي التي مثّلها بالتقطيع والشروخات التي ظهرت على شخوصه وعلى جوانب اللوحة تتكامل مع تشققات الزمن، كما ركز على التضاد اللوني الأبيض والأسود في لوحات عدة بكثافة العجينة اللونية.
أما المجموعة التي دمجت بين النحت والرسم، فجسدت حالات العنف التي يواجهها الإنسان، لكنها لم تخلُ من معاني الاحتواء في أخرى.
وفي حديثه للـ”البعث”، أوضح المأمون أن المعرض يعبّر عن حالة الإنسان في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها المنطقة العربية والعالم، تحمل انفعالاته وانكساراته وهمومه، وتابع: “أعدّه رسالة سلام إلى العالم وإلى الدول التي تدّعي الإنسانية وحقوق الإنسان، وهي التي أبادت البشر والحجر وفرضت الحصار الاقتصادي وكل ما هو مدمّر لهذا الإنسان طمعاً بثروات بلاده ومنطقته، وأعمال المعرض وثّقت ما فعلته تلك الدول، وأتمنى أن تحمل المعارض القادمة السلام والحبّ والفرح للإنسان ولبلدنا”.
ورأت مهى محفوظ رئيسة فرع دمشق لاتحاد الفنانين التشكيليين أن المعرض تميز بزخم قوي وبأعمال جريئة وجديدة على الساحة التشكيلية الفنية، وبتنوع بين النحت والرسم حتى الإعلان، وتمكّن برسالات خفية من التعبير عن الوضع المأساوي إثر الحرب، وكان تأثيره قوياً على المتلقي.
وأشارت الدكتورة قتادة الزبيدي رئيسة فريق بصمات إلى أن عصام المأمون يمثل نفسه ولا يشبهه أحد من الفنانين ولا يشبه أحداً، متوقفة عند لوحة العشاء الأخير التي جسدها برؤية فلسفية عميقة، ونوّهت بأنّ كل لوحة تستحق الوقوف ليكتشف المتلقي مضمونها وتقنياتها، ولا يمكن للمتلقي العادي أن يقرأ لوحاته إلا إذا كان يمتلك ثقافة عالية وذائقة فنية.
أما الفنان موفق مخول فأشاد باللغة البصرية المعاصرة وبالحداثة والتقنيات المتعددة التي استخدمها المأمون بأعماله.
وتجوّلت وزيرة الثّقافة الدكتورة لبانة مشوّح في المعرض، متوقفةً عند الأعمال ككلّ، وتحدثت إلى الإعلاميين عن البعد الفلسفي الذي تميز به المعرض، وعن قدرة المأمون على سبر أغوار الإنسان، والتعبير عن معاناته ومواجهته الأوضاع الصعبة.