دراساتصحيفة البعث

المساعدات الأمريكية لأوكرانيا.. إلى أين؟

ريا خوري

وافق الكونغرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ على منح أوكرانيا حزمة جديدة من المساعدات العسكرية الأمريكية بقيمة واحد وستين مليار دولار بعد عدّة أشهر من التأخير. وكان الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي أكّد أن تلك المساعدات قد تنقذ حياة الآلاف من الأوكرانيين. وعلى الرغم من أنّه ليس من الغريب أن يقرّر السياسيون الأمريكيون مصير أي بلد، لكن يبدو من غير المألوف إلى حدّ كبير أن يتوقّف وجود دولة ما، وهي أوكرانيا، على نتيجة تصويت يُجرى على بعد نحو خمسة آلاف ميل كما حدث في هذه الحالة بالضبط.

إنّ وصول الأسلحة الأمريكية مهما بلغت شدّتها وقوتها لن يمكّن من صمود قواتها المحاصرة من الجيش الروسي، ولن تكون هذه الحزمة حلاً سحرياً يمنح النصر للجيش الأوكراني.

من جهةٍ أخرى، نجد أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن يسعى إلى تحقيق تهدئة في الشرق الأوسط تخمد الأزمة المشتعلة بفعل العدوان الصهيوني على قطاع غزة المحاصر، أمّا ساحة المواجهة في أوكرانيا فإنها تفلت من اعتياديتها خلال الأشهر السبعة الماضية إلى توتر وقلق أكبر.

من جهتها تسعى الولايات المتحدة الأمريكية ومعها حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى صبّ الزيت على النار، كما يسعون إلى توسيع رقعة الحرب حتى تصل إلى حالة الحرب النووية. ويبدو أنّ تلك القوى ما زالت أكثر إصراراً على تعقيد الساحة الأوكرانية وتصعيد المواجهة العسكرية مع روسيا الاتحادية التي أطلقت عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، معتقدة أنها ستنتهي خلال مدة قصيرة جداً، لكنها تطوّرت إلى حرب استمرّت منذ 24 شباط عام 2022 حتى هذا اليوم.

جميع السياسيين والخبراء العسكريين الاستراتيجيين يدركون بعمق شديد أنّ الحرب في أوكرانيا هي مواجهة صريحة مع الولايات المتحدة الأمريكية وتابعيها في ملف أوكرانيا، على الرغم من نفي الولايات المتحدة الأمريكية والدول والأوروبية ذلك والتعلل الدائم بحق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها وأراضيها ومكوّناتها ووجوب الوقوف معها ودعمها في هذا السياق، حتى لا تقفز القوات الروسية إلى حدود دول أوروبية أخرى.

من خلال متابعتنا لعمليات الدعم العسكري واللوجستي والمالي لأوكرانيا، وجدنا أنّ الدعم الأمريكي والأوروبي كان بالأموال في بداية الأمر، وكان العمل الأوضح لمساندة أوكرانيا، بخلاف المساعدات العسكرية التي أحيطت دائماً بالسرية حيناً وبالتخوّف من غضب روسيا الاتحادية التي هدّدت مراراً بالقضاء الفوري على أي  معدات عسكرية أمريكية أو أوروبية تظهر في ساحة المعركة.

وعلى الرغم من قيادة الولايات المتحدة الأمريكية الحرب في أوكرانيا من وراء الستار، إلا أنها حرصت في البداية على تحييد سلاحها النوعي، أو توفيره بشروط صارمة للجيش الأوكراني عن طريق طرف ثالث أو دولة ثالثة، وبدت الولايات المتحدة وكأنها مكتفية بالدعم المادي حتى لا تنخرط بشكلٍ مباشر في مواجهة عسكرية مع الجيش الروسي القوي.

الآن، قد تندلع هذه المواجهة  الروسية – الأمريكية في أي وقت، وذلك في سياق ما تم نشره عن موافقة الرئيس الأمريكي جو بايدن سرّاً برفع الضوابط والقيود عن استخدام أوكرانيا أسلحة أمريكية فتاكة لضرب أهداف عسكرية وأمنية مهمة داخل روسيا الاتحادية التي كثيراً ما حذّرت من أنّ لهذا المسار نتائج وخيمة لا تحمد عقباها.

هذا الموقف الأمريكي رفضته روسيا الاتحادية وحلفاؤها، بل رفضته أيضاً دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) التي تؤيّد تأييداً قوياً الاستمرار في الدعم المادي بكل أنواعه لأوكرانيا وجيشها بعيداً عن التورّط بشكلٍ مباشر في الحرب الساخنة بالسلاح الغربي، لأنّ ذلك يوسّع ساحة المعركة ويطيل أمدها.

هذا النهج هو الذي سبّب الخلاف الحاد بين الولايات المتحدة الأمريكية وبقية دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) التي لم تتوقف عن الدعم الذي تحتاج إليه أوكرانيا، لكنها متفقة على إبقائه في الجانب المادي فقط الذي لا يورّطها في مواجهة  عسكرية مباشرة مع الجيش الروسي.

لقد تباينت مواقف الدول الغربية من نوع الدعم وحجمه، فقد أعلنت العديد من دول الناتو عدم تقديمها أي دعم لأوكرانيا، كما أنّ المساعدات الأمريكية قد تكون محور خلاف بين تلك الدول الغربية في الفترة القادمة، وخاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية وسعي بايدن إلى كسب المزيد من المواقف والأصوات، فحلف الناتو يريد استعادة السيطرة الكاملة على عملية تنسيق المساعدة العسكرية واللوجستية والأمنية لأوكرانيا التي تتولاها الولايات المتحدة الأمريكية.

من جهته يتذرّع حلف شمال الأطلسي برغبته في استدامة تقديم المساعدات العسكرية واللوجستية لأوكرانيا، والاتفاق على حدّ أدنى سنوي لها، ووضع قواعد ونظام مناسب يحدّد حصة كل دولة تقدم المساعدات لها، لكن الأهم من كل ذلك أنّ حلف الناتو يخشى عدم استمرارها في حال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.