ثقافةصحيفة البعث

غزة والمدن الفلسطينية في الآثار السورية المسمارية

أمينة عباس

تأتي المحاضرتان التي ألقاهما، مؤخراً، المؤرّخ والباحث في علم الآثار الدكتور  محمود أحمد السيد، في المركز الثقافي العربي أبو رمانة، والمتحف الوطني تحت عنوان “غزة والمدن الفلسطينية في الآثار والنقوش الكتابية السورية المسمارية” ضمن جهوده في كشف أكاذيب وادعاءات الصهاينة من خلال ما تم التوصل إليه عبر الآثار ودراسة النقوش المسمارية في تصويب الحقائق والكشف عما قام به الصهاينة في تزييف اللقى الأثرية بما يدعم نظريتهم التوراتيّة القائلة بحقهم في فلسطين وأن الله وعدهم بها ووهبهم إياها كما يدّعون، يقول المهباني: “يحتل علم الآثار أهمية كبيرة في التحقق من صحة أي معلومة نشرت والتعرف على هدف ناشرها، وهل هي معلومة صحيحة مطابقة للحقائق أم أن الهدف منها حرف البوصلة وتزوير الحقائق كما فعل الصهاينة ويفعلون ومن يدور في فلكهم”.

ويدحض السيد النظرية الأمريكية التي تدعي أن الجمل وفد إلى منطقة الشرق القديم من أمريكا، وهي النظرية التي وضعت تمهيداً لادعاء الصهاينة أنهم أول من استخدموه في التنقل في منطقة وادي عربة عام 900 ق.م، في محاولة بائسة لإثبات وجود لهم في المنطقة بعد فشلهم في إيجاد ما يدعم ادعاءاتهم في أرض فلسطين المحتلة، وخلصت الدراسة الصهيونية إلى أن الإسرائيليين هم أول من استأنس الجمل الأمريكي في الشرق الأدنى وأول من استخدموه في الركوب والتنقل في حين أن الآثار واللقى والنقوش المسمارية السورية دحضت هذه الأكاذيب وأكدت عدم صحة ادعاءات الصهاينة من خلال اكتشاف بقايا جمال من فئات غير معروفة في عشر سويات أثرية في حوض الكوم قرب تل التمر تنتمي إلى فصائل مختلفة من الجمال ولا تمت بصلة إلى الجمل الأمريكي: “إن الجمال قد استوطنت البادية السورية منذ العصور السحيقة و منها انطلقت إلى الجزيرة العربية ثم إلى بقية أنحاء العالم، وتشير الأدلة الأثرية العراقية والسورية إلى أن استخدام الجمل في التنقل والركوب يؤرخ على الأقل وفي ضوء المعطيات الأثرية الحالية بحوالي 1900 ق.م، حيث اكتشفت في مملكة أوجاريت “تل رأس شمرة حالياً” لوحة تُصوّر جملاً تؤرخ في ١٩٠٠ ق.م، كما ذُكرت الجمال في النصوص المسمارية السورية ضمن قائمة الحيوانات الأليفة أيضاً حيث ذُكر حليب الإبل في نص مسماري سومري في نيبور بالتاريخ ذاته، وعُثر على ختم أسطواني في سورية كذلك من الهيماتيت المنحوت ويؤرّخ بالفترة الواقعة بين ١٨٠٠-١٦٥٠ ق.م، ويظهر في الختم المنحوت شخصان أو ملك وملكة يركبان على حدبات جمل، ما يؤكّد أنَّ فكرة ركوب الجمال في بلاد الشام وشمال الرافدين كانت معروفة قبل وقت طويل من التاريخ المقترح من قبل الصهاينة”.

وتطرق الباحث في كلامه إلى أهمية الرقم المسمارية الإبلائية في دحض مزاعم الصهاينة في أرض فلسطين: “كل الرقم أبطلت جميع هذه المزاعم، فقد تضمنت أقدم  ذكر في العالم لمدينة سيناء وغزة والقدس ومدن أخرى ولم تذكر هذه الرقم البالغ عدده أكثر من 17500 رقيم أي شيء عن العبرانيين، بل أكدت استمرارية السكن في فلسطين في عصر البرونز وهو ما يناقض المزاعم الصهيونية حول وجود اليهود في فلسطين في عصر البرونز كسكان أصليين منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد وينفي علاقتهم بأورشليم المذكورة في النقوش المسمارية الآشورية”، مشيراً كذلك إلى أن غزة والمدن الفلسطينية موجودة في النقوش المسمارية الأوجاريتية التي تؤكد أهمية دورها في الحركة التجارية في العالم قديماً بسبب موقعها الاستراتيجي المميز الواقع على تقاطع آسيا وإفريقيا :”نقطة التقاء للقوافل التجارية الناقلة للبضائع إلى جنوب الجزيرة العربية والشرق الأقصى وإلى البحر المتوسط، و مركز توزيع البضائع في سورية وآسيا الصغرى وأوروبا”.

فسر الباحث السيد محاولة الصهاينة إثبات أي دليل على وجود اليهود في فلسطين في القرن الرابع عشر قبل الميلاد: “يرتبط هذا التاريخ بحدثين رئيسيين، الأول وفق الرواية التوراتية خروج بني إسرائيل من مصر، والثاني عودة العبرانيين إلى كنعان التي يعدونها أرض آبائهم وأجدادهم، لكن وفقاً لنتائج المعطيات الأثرية الفلسطينية  فإن التاريخ المبكر لأرض فلسطين أتى خالياً من أي دلائل أثرية تشير إلى وجود “إسرائيل” أو يهودا في تلك الفترة من عصر الحديد الثاني والتي يفترض أنها كانت شاهدة على قيام مملكة بني إسرائيل، بالإضافة إلى أن السجل الأثري الفلسطيني أتى أيضاً خالياً من أي أثر يثبت قصة الخروج كما جاءت في الكتاب المقدس اليهودي خاصة أن الاكتشافات الأثرية المعلن عنها من قبل علماء الآثار التوراتيين لا تزيد على كونها كسرات فخار من هنا وهناك، بلا نصوص مكتوبة أو دلائل مادية واضحة لدعم ما يزعمونه وهو ما يوثق أن اليهود ما كانوا سوى أقلية”.

يقول السيد: “اعتمد الصهاينة في التاريخ على أحقيتهم بأرض فلسطين على أساس ديني توراتي لا علاقة له يعلم الآثار، كما لجأوا بعد فشلهم في إثبات الرواية التوراتية أثرياً إلى نشر نتائج دراسات محرفة بلغات أجنبية عديدة وباللغة العربية بما يخدم مزاعمهم في أرض فلسطين”، وسرد السيد بعض محاولاتهم في التزوير والتحريف لإثبات حدث تاريخي أو معلومة بالرغم من عدم ذكره في النقوش الكتابية المنكشفة.