ثقافةصحيفة البعث

دريد لحام وتبنّي سينما الطفل بصور مختلفة

ملده شويكاني

بدأ التوجّه نحو سينما الطفل في السينما السورية في السنوات الأخيرة بشكل خاص، على الرغم من افتقار السينما في الوطن العربي إلى سيناريو متخصّص بعالم الطفل وما يدور حوله، لكن تفاوتت الأعمال بكتابة السيناريو الموجّه للطفل ضمن سياق المعالجة الدرامية، بين دور البطولة في عكس مسألة واقعية تمسّ الأطفال بشكل فعلي، وبين الكتابة عن الطفل كعنصر فاعل بالحدث ضمن توجّه العمل ككل، فقدم المخرج الراحل عبد اللطيف عبد الحميد أفلاماً عدة، منها “قمران وزيتونة” و”الطريق”، وتطرق في فيلم “طريق النحل” إلى عمالة الأطفال بشكل غير مباشر داخل تشابك الخطوط الدرامية، كما اشتغل المخرج باسل الخطيب في تجربته مع الفنان الكبير دريد لحام على سينما الطفل.

ويعدّ الفنان دريد لحام من الأوائل الذين أدخلوا الطفل إلى عالم السينما، وكتب لهم أدوار البطولة ليمثلوا شخصيات أساسية تشكّل الركيزة الأولى للأحداث وتصاعدها، فمنذ عام 2006 قدّم فيلمه “الآباء الصغار” بإخراجه بالإضافة إلى كتابته القصة والسيناريو ببطولة حنان الترك وسلمى المصري وأربعة أطفال (نورا– جابر- معن- غزل) يحاولون تحقيق حلم والدتهم بمتابعة والدهم –دريد لحام- دراسته الجامعية بكلية الحقوق وتعديل وضعه العملي، فيأخذ كل طفل دوره بالعمل متعاونين، لجمع ما يكفي لمساعدة الأب بنفقات الدراسة، فالابن الأكبر يعمل بتنظيف السيارات في محطة الوقود، والثاني في بيع الورود، أما البنتان فتعملان في فرط البازلاء لدكان الخضار.

وتدور في الفيلم أحداث فكاهية، ولاسيما أن الباحثة أمل (حنان الترك) تستأجر غرفة بمنزلهم، ويشعرون بالغيرة من أن تأخذ مكان والدتهم المتوفاة- سلمى المصري.

وفي النهاية يوصل الفيلم مجموعة رسائل محمّلة بالقيم النبيلة والمشاعر الوجدانية تتعلق بمفهوم الصداقة التي تكون في حالات أقوى من الحبّ وأكثر ديمومة، وتبقى الرسالة الأولى في التطرق إلى واقع عمل الطفل الذي تضطره الأوضاع الحياتية الصعبة إلى العمل وما يتعرّض له من صعوبات ومشكلات مازالت ماثلة حتى اليوم، بالإضافة إلى ما يحتمله من أمزجة البشر.

وعلى الرغم من نجاح فيلم “الآباء الصغار” الذي سبق التوجه الفعلي نحو سينما الطفل، اعتمد دريد لحام في فيلمه الجديد “يومين” الذي قدّم فكرته وكتب السيناريو تليد الخطيب بإخراج المبدع باسل الخطيب، على الطفل بشكل مختلف وبكتابة مغايرة، ليأخذ دور البطولة، فوقف كلّ من نغم وصباح أمام الفنان الكبير دريد لحام- والد سلمى- تشاركهم سلمى- رنا شميص الأحداث الدائرة، إذ تجمع الأقدار بين الطفلين ووالد سلمى لينتقلا إلى العيش معهما في المنزل الريفي ريثما يعودان إلى منزل والديهما الذي هربا منه نتيجة عنف والدهما.

ويختزل الفيلم من خلال معاناة الطفلين الحرب الإرهابية على سورية وما آلت إليه من تبعات اجتماعية واقتصادية، تسبّبت بتدمير الأسر نتيجة الفقر وفقدان الأمان والحب، الذي انعكس على سلوكيات الأب بالضرب والتعنيف.

وفي الطرف الآخر صورة مقابلة لدور الطفل بتحمّل أعباء المسؤولية كحال شام الطفلة التي تجرّ الكرسي المتحرك لوالدها وتعينه إثر قذائف الإرهابيين.

ومن زاوية أخرى يحلل الفيلم الأبعاد التربوية والتعليمية للطفل، فيتطرق بفنية غير مباشرة إلى الأساليب المتبعة بالتعليم التي تنفر الطالب وتجعله يكره الدراسة ويذهب باتجاهات التسلية وإضاعة الوقت، كما يتناول العادات السيئة التي يكتسبها الطفل كالكذب اعتقاداً منه بأنه ينجي من الخطر، والأكثر أهمية هو دلالة الإيحاءات برمزية عودة الطفلين إلى والديهما بقوة الانتماء إلى الوطن.

والملفت هو بصمة دريد لحام، فثمة قاسم مشترك بين الفيلمين يبدو بالمواقف المضحكة للطفلين ودورهما بتصاعد الأحداث واختلاق المشكلات، مثل المواقف التي افتعلها الأطفال أبطال فيلم “الآباء الصغار” بحالات وخطوط درامية مختلفة.

لنخلص إلى أن سينما الطفل ما تزال تمضي بجهود فردية، وتتطلب الكثير من المهارات والحرفية على صعيد الإخراج والكتابة والمعالجة الدرامية وأثرها على شخصية الطفل وأدائه بصدق ارتباطها بالواقع المحيط، وما يدور فيه من أحداث شائكة تختزل ما يحدث بالمجتمع.

أما أداء الطفل فيتبع للموهبة وتمكنه من التعامل مع الكاميرا، ولاسيما أنه يقف أمام ممثلين كبار، ولقدرة المخرج على إدارة الطفل وتوجيهه، بالإضافة إلى البيئة الحياتية والأسرية التي يعيشها الطفل، وخاصة إذا كان ينتمي إلى عائلة فنية وثقافية ما ينعكس إيجاباً على أدائه.