“سينما الأطفال”.. أعمال موجهة إليهم وتركز على متطلباتهم النفسية
سمر محفوض
عرّف أول مؤتمر دولي لأفلام الطفل المنعقد في فنيسيا عام 1950 سينما الطفل بأنها تلك الظاهرة الفنية التي تنشأ من خلال دراسة ومراعاة نفسية وسلوك الطفل في كلّ مراحله العمرية، ونلحظ أن الأفلام الموجّهة إلى الشريحة العمرية ما بين ٧-١٣ سنة تختلف عن الموجّهة للمراهقين ممن تجاوزوا هذا العمر، مع مراعاة ألّا تحمل تلك العروض إشارات أو إيحاءات جنسية أو عاطفية مباشرة، أو حتى رسائل مبطنة تؤثر على السلوك العام لتلك الفئة، بل عليها أن تكون معياراً حقيقياً للتفريق بين الخطأ والصواب في بناء أنماط السلوك.
كما يجمع النقاد على أن الفيلم الموجّه إلى الطفل هو من أصعب الأشكال الفنية، لأنه يحمل حساسية خاصة بالتعامل مع بنيتهم الخاصة والحرجة، بالإضافة إلى أنه ينبغي للفيلم الموجّه للطفل أن يكون ذا مضمون تربوي قبل الترفيهيًّ، ينمّي الجانب الأخلاقي والسلوكي القيمي والاجتماعي والإنساني الكفيل بتنشئة جيل المستقبل القادر على اتخاذ القرار المناسب في الظرف المناسب، وألّا يكون الفيلم مجرّد عرض وصخب وإبهار بصري يشغل حواس الطفل بمجموعة صور وحركات وأصوات استعراضية تشحن مخيلته ومداركه من دون أن تقدّم وعياً أو رسالة تربوية، بالإضافة إلى المحتوى الجمالي والفني، كما يجب أن تقدم تلك الأفلام أعمالاً فنية متكاملة منتجة خصيصاً لجمهور الأطفال عبر تركيزها على متطلباتهم النفسية والذهنية، بالإضافة إلى تنمية الخيال والمتعة.
ويُجمع النقاد أيضاً على أن سينما الأطفال بغالبية أشكالها غُيّبت من المشهد الثقافي والفكري العربي، وأُجّل مشروع تحقيق تطلعات الأطفال بأفلام لا تتحدث عن الأطفال كمادة ترويجية، بل تنتج وتقدّم أفلاماً للأطفال بكل ما تحمل التجربة من مضمون فكري.
ويمكن القول إن السينما العالمية قد أنصفت الطفولة بطرح هموم الطفل وقضاياه، منها الطفولة المضطربة، وقضية أطفال الشوارع والحرب والعنف ضدّ الأطفال والعمالة والاستغلال الجنسي، والتفكك الأسري، والأساطير، وحكايات الشعوب، والأحلام، وسواها، ويُقدّر عدد الأفلام التي قدّمت قضايا وهموم الطفل في السينما العالمية ما يفوق الـ6000 فيلم، في إحصائية عام ٢٠٢١ وفي “هوليوود” شركة “ديزني” المتخصّصة بإنتاج أفلام الأطفال قدّمت وحدها الكثير من الأعمال التعليمية والترفيهية والكرتونية، من أشهرها سلسلة “العفاريت” و”هاري بوتر”، و”مستر فوكس”، و”حياة الإمبراطور الجديدة”، وسواها، حيث جالت “هوليوود”، بمخيلة الطفولة حول العالم عبر صور براقة ومدهشة، قدّمتها أحياناً كمثال على النقاء والبراءة بمواجهة تعقيدات الكبار وتناقضاتهم الشائكة.
وفي الوطن العربي هناك جهود تعمل على دعم سينما الأطفال، إذ حرص مهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال على تشجيع أفلام وبرامج الأطفال، ذات المستوى الفني الجيد التي تهتمّ بمشكلات الأطفال والشباب وتقديم رسائل تربوية تسهم في توجيه السلوك والترفيه معاً، كما تحرصُ الشارقة من خلال المهرجان الفني السينمائي الذي تخصّصه للأعمال الموجّهة إلى الطفل، متيحة الفرصة أمام لقاء مهمّ بين صنّاع الأفلام، والمخرجين والممثلين والمنتجين، بالإضافة إلى رواد السينما العالمية كفرصة لاستعراض آخر ما قدّموه ومناقشة المستجدات الحديثة.
بدوره، المخرج التونسي أنيس الأسود الذي عرف بشغفه بسينما الطفل ويحمل في جعبته تجربة مهمّة، يعترف في لقاء إعلامي بأنه وبعد تقديم أكثر من 10 أفلام عن الطفل في تونس، واليابان، وموريتانيا، والجزائر، والأردن، واليمن وإيطاليا ما بين وثائقي وروائي، أن الطفولة مظلومة في هذا الجانب.
ويبيّن المخرج المسرحي العراقي محمود أبو العباس أنّ “الهجمة الكبيرة على صناعة سينما الأطفال الغربية تعني وجود قفزة بالوعي في فهم الطفل، وتوافقه مع ما أفرزته الحضارة وتطور تقنيات السينما الحديثة”.
ومما لا شكّ فيه أن الإشارة إلى الأفلام الموجّهة إلى الأطفال ضمن ظروف مساعدة إنتاج ضخم دور سينما، وأندية، ودورات تدريبية، وتنمية مهارات.. الخ، تؤكد أن الطفل يستطيع أن يكون مشتركاً فعالاً في حمل رسالة الفن، ويحتاج فقط إلى بعض التوجيه، ولدينا أطفال موهوبون أثبتوا قدرة عالية على تجسيد أدوار صعبة ومعقدة، أحياناً، وفي ظروف عمل ليست مثالية بسبب ما نمرّ به من أزمات ليس آخرها الاقتصادية.
بقي أن نشير إلى أن المنافسة ليست سهلة في عصر انتشار أدوات الاتصال الذكية، ويكفي أحياناً أن يسجل أي هاوٍ مقطعاً حياً أو موقفاً ما، ليكون نواة فيلم يحقّق انتشاراً أوسع من كثير من الأعمال التي تحتاج إلى كادر هائل من الفنيين والممثلين، فضلاً عن التمويل، ما يدفعنا للاعتراف بأن أدوات التعبير طالت السينما، كما طالت معظم مناحي الحياة، وهذا لا يعني أننا عربياً لا نملك مقومات النجاح من نص وممثل ودعم إنتاجي معقول نسبياً للانطلاق وتحقيق المعادلة الصعبة “سينما أطفال واعدة مع تحقيق أرباح جيدة”، مع التركيز على أن تكون ممتعة، ومنفتحة على الآخر، وتتضمن قيماً جمالية وفنية وموسيقية في إطار الدهشة البصرية.