ثقافةصحيفة البعث

بعد انقطاع.. “الأدب الوجيز” يعود و”براءة الأطفال” في عيون بعض المشاركين

نجوى صليبه

سنة وأكثر، مدّة غياب الملتقى السّوري للنّصوص القصيرة أو الأدب الوجيز، واليوم يعود بفعاليته السّادسة والعشرين، بالزّخم والشّغف ذاته، أي لم تقف المسافة أمام أعضاء الملتقى القادمين من محافظات أخرى، وكما العادة كان المركز الثّقافي في “أبو رمانة” ـ وعلى مدار يومين ـ على موعد مع ثمانية عشر مشارك من مختلف الأعمار، وتنوّعت نصوصهم بين القصّة القصيرة والهايكو والومضة والمحكي الوجيز والعمود الوجيز والتانغا والهايبون بحسب منظّم الملتقى الزّميل علي الرّاعي، الذي لم يخف صعوبة التّمييز بين كلّ هذه الأنواع، نظراً لاتّباعها جميعها الاختصار الشّديد، ويضيف: “إنه “العناد الجميل في زمنٍ صعب”.. كما تبعث إلينا الصّديقة الأديبة نهلة السّوسو.. إنّه زمنُ الشّعر البسيطِ بامتياز، زمن الأقصوصة والقصّة القصيرة جدّاً، زمن الومضة والتّوقيعة الشّعرية، والعمودي الوجيز.. زمن النانو، وزمن الهايكو وما يقاربهما من المقطوعات، والتّغريدات الخاطفة، زمن القولة الضّاحكة، وأما الرواية؛ ـ كما يقول صديقنا عرّاب الهايكو الشاعر محمد عُضيمة ـ فإلى الرّفوف والغبار، أما شاعُرنا الكبير نزيه أبو عفش فيتمنى مرةً:

“آه! كم أتمنّى أن أختمَ سجلَّ هزائمي وكوابيسي؛

بكتابةِ قصيدةٍ عملاقة

(قصيدة مِن سبعِ كلماتٍ أو أقلّ)

تبدأ بكلمةِ: “أحلم”..

وتنتهي بكلمة: “وردة”

يحسب للملتقى المشاركة الواسعة والشّعبية المميزة، أي ليس أمراً سهلاً جمع هذا العدد من المشاركين، ولا سيّما من المحافظات الأخرى ـ كما ذكرنا ـ، والاستمرارية على الرّغم من كلّ الظّروف، والتآلف بين الأعضاء، أي حرص الكثير منهم على حضور فعاليات اليومين، على خلاف بعض الملتقيات أو النّدوات التي يحضر المشارك يوم مشاركته فقط، لكن يؤخذ على كثير من المشاركين في الملتقى الأخطاء النّحوية القاتلة، وهنا نتحدّث عن تلك البدهية أي الفاعل والمفعول به وحرف الجر والاسم المجرور، ولا نتحدّث عن القواعد الصعبة والجائز وغير الجائز والصحيح والأفضل، مع العلم أنّ النصّوص المكتوبة وكما ظهرت على شاشة العرض مدققة لغوياً، وأن الرّاعي حذّر المشاركين من الخطأ، ونوّه بوجود مشارك هو قاصّ وروائي معروف بإتقانه اللغة العربية السّليمة كتابةً ونطقاً، لكن للأسف التّنبيه والاستعداد لم يمنع الواقعة من وقوعها، ووقع الفأس بالرأس، وكأن شيئاً لم يكن وحال هؤلاء “المذنبين بحق اللغة” كقول الشّاعر نزار قبّاني “اليوم عاد كأنّ شيئاً لم يكن وبراءة الأطفال في عينيه”.

أمّا بالعودة إلى النّصوص، فنبدأ مع القاص والرّوائي عبد الله النّفاخ وقصّته القصيرة “كاتب”، يقول: “حلّقت فكرة في رأسه، حاول أن يمسك بها فلم يتمكّن، اختفت في تلافيف دماغه.. كانت سوداء فلم يستطع أن يلتقطها في الظّلام، اعتصر فكره كثيراً ليبلغها، فتقاطرت من رأسه، وحين بدأ يكتبها اختفت أوراقه”.

وتحت عنوان “تربية” قصّ عبد الوهاب محمد: “زارني جاري وراح يحدّثُني عن معاناته في تربية ابنه المراهق.. قال لي: تخيل أنّه في صغره ظلَّ متمسكاً باللهاية (المصاصة) إلى الصّفِّ الرابع، وقد باءت بالفشل كلُّ محاولاتنا لجعله يتركُها.

سألته: وكيف تركها..؟؟

أجاب: تعلّمَ التّدخينَ..

وتحت عنوان “مداراة” قصّت ملفينا الشيخ: “قرر أن يفضح عين الحقيقة، ويقابل الشّر بالشّر.. ويكشف المتورّطين ويسجن المجرمين؛ وهو يختبئ خلف قصصه القصيرة جداً”.

وفي القصيدة الومضة، شاركت الشّاعرة طهران صارم بقصائد عنها، نختار: “الانتظار.. عمرٌ آخر بين عمرين.. أحدهما احترف الغياب..” و”منذ أودعتكَ قلبي.. وأنا أسيرُ على روح عرجاء”، ومن ومضات الشاعرة فاطمة الحسن نختار:

حلمت

بأنّ لشجرة الزيتون

تلك قد نبت غصنٌ جديدٌ

حلمت أنّه ما من فرقٍ بينك ومولد العيد،

حلمت بأن الأرض تلبس سندسها،

والقلب المفطور على السبح سعيد”

وفي الهايكو كتبت هالا الشّعار:

ستكون قلباً حلو

مخبأ بالخشب

هذه النوّارة

“ليس عدلاً” عنوان القصيدة التي شاركت فيها يارا الرّاعي، ومنها نقتبس:

ليس عدلاً

أن يأتي العطشُ من النبع،

ليس عدلاً

إهانة الماء..

ليس عدلاً

أنْ تضيقَ الضّفتان

على المجرى،

وخنقِ الماءَ في ساقية..

أمّا عتاب السّعد فكتبت تحت عنوان “الشّهيد”:

يا مَن تشدّ إلى السّماءِ رِحالا

عانقْ سهول بلادنا وجبالا

أبطئ تنسّمْ من عبيرِ شآمِنا

قبّلْ روابيَ أرضِها وتلالا

ولعلّ خير ما نختم به هو قول رُوي عن الأديب الفرنسي “فولتير” وذكره الرّاعي في ختام الفعالية: “كلُّ الأجناس الأدبية جيّدة سوى الممل منها”.