رؤيتان مختلفتان تماماً للأمن العالمي
عناية ناصر
نظراً للاختلاف في المصالح الأساسية، والأنظمة الاجتماعية، ومسارات التنمية، فضلاً عن التاريخ والثقافات، فإن لدى الصين والولايات المتحدة وجهات نظر مختلفة تماماً بشأن الأمن العالمي. وفي هذا السياق شهد البلدان تصادماً وتنافساً حاداً حول رؤى الأمن العالمي في حوار شانغريلا الحادي والعشرين في سنغافورة، حيث ألقى وزير الدفاع الصيني دونغ جون خطاباً حول نهج الصين تجاه الأمن العالمي. وقد أوضحت هذه التصريحات بصورة عميقة رؤية الصين للأمن العالمي في العصر الجديد الذي اقترحه الرئيس الصيني شي جين بينغ.
وشدّد دونغ على أن الصين تقدّر السلام والوئام، وتلتزم بالسعي لتحقيق الأمن المشترك والمساواة والاحترام المتبادل والانفتاح، فضلاً عن حماية مصالحها الأساسية، كما أنها مستعدة للعمل مع جميع الأطراف لحماية المصالح الأمنية المشروعة لجميع البلدان، وبناء نظام دولي أكثر عدلاً وإنصافاً بشكل مشترك، وتعزيز التعاون الدفاعي المفتوح والموضوعي، وتعزيز الحوكمة الأمنية في المناطق الناشئة للسعي لتحقيق تقدم جديد في التعاون الأمني الإقليمي.
منذ أكثر من عامين على اقتراح مبادرة الأمن العالمي الصينية، قدّمت هذه المبادرة رؤئ وسبلاً أمنية عامة مهمة لتعزيز إدارة الأمن العالمي والاستجابة للتحديات الأمنية الدولية، ولها قيمة نظرية مهمة وأهمية عملية لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، والحفاظ على السلام والأمن العالميين، وتعزيز تقدم الحضارة الإنسانية، التي تم الاعتراف بها ودعمها من المزيد من الدول والمنظمات الدولية في العالم. وخلال حوار شانغريلا هذا العام، أصبحت “مبادرة الصين العالمية” كلمة طنانة شائعة يناقشها المشاركون.
إن الخطابات التي ألقاها وزير دفاع الولايات المتحدة لويد أوستن في حوار شانغريلا في العام الماضي وهذا العام، تعكس بوضوح وجهة نظر الولايات المتحدة بشأن الأمن العالمي، حيث سلطت تصريحاته في العام الماضي الضوء على أن الولايات المتحدة تعمل على تعزيز شراكاتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ “لتعزيز السلام والازدهار في هذه المنطقة”، فكيف تحقق الولايات المتحدة ذلك؟ لقد تجسّدت هذه الإجابة في خطاب أوستن الذي ألقاه في المؤتمر والذي كان بعنوان “الشراكات الاستراتيجية للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”، وهو ما يعني بشكل أساسي الاعتماد على تعزيز وتوسيع شراكات التحالف، وتعزيز تحالف “أوكوس”، وتحالف “كواد”، وتشكيل “نسخة آسيا والمحيط الهادئ من حلف الناتو”، واحتواء وقمع الصين، منافسها الاستراتيجي الرئيسي.
الحقيقة هي أن هذا النهج لم يجلب السلام والأمن إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بل جلب الاستقرار والانقسام، بل قد يؤدّي حتى إلى الصراع والحرب. ويمكن القول: إن خطابات أوستن في هذين الحوارين تعكس بالكامل فلسفة وسياسة الأمن العالمي للولايات المتحدة.
في 17 شباط، ألقى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خطاباً في مؤتمر ميونيخ للأمن، حيث اقترح “نظرية الطاولة والقائمة” الشهيرة، التي تفسّر وتؤكد أيضاً مفهوم الأمن العالمي الأمريكي من منظور آخر. وذكر بلينكن أنه في النظام الدولي، إذا لم تكن على الطاولة في النظام الدولي، فسوف تكون على القائمة. وهذا مفهوم أمني معيب يتسم بعقلية الحرب الباردة الأنموذجية والإيمان بقانون نظام الغاب.
لقد دعت الصين دائماً إلى ضرورة معاملة جميع الدول ذات السيادة في العالم على قدم المساواة واحترامها، ولا ينبغي لأي دولة أن تتدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، كما تعارض الصين بشدة عقلية الحرب الباردة والمواجهة بين الكتل، حيث تدعو إلى التعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين بين الدول، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها تحقيق السلام والاستقلال.
توضح وجهات نظر الصين والولايات المتحدة المختلفة تماماً حول الأمن العالمي أياً منها يتوافق مع المصالح الأساسية والمخاوف الأمنية المعقولة لأغلب البلدان ويؤدّي إلى السلام والاستقرار الإقليميين والعالميين.
والفرق الأكبر بين إدارة بايدن وإدارة ترامب في الاستراتيجية الخارجية هو أن إدارة ترامب أكّدت مبدأ “أمريكا أولاً”، والانسحاب من جانب واحد من الاتفاقيات إذا لم تسِر الأمور كما تريد.
تؤكد إدارة بايدن المواجهة بين الكتل، مع التركيز على تعزيز وتوسيع شراكات التحالف المختلفة وحتى دفع الدول الأخرى إلى الخطوط الأمامية في حروب بالوكالة. ومع ذلك، سواء أكان الأمر يتعلق بمبدأ “أمريكا أولاً” أو المواجهة بين الكتل، فإن الهدف هو ضمان وتعزيز موقف الهيمنة الأمريكي، لاحتواء المنافسين الاستراتيجيين أو قمعهم أو حتى هزيمتهم. والفرق الوحيد يكمن في الاستراتيجيات والأساليب المستخدمة.