استثمار الحدائق المنزلية.. تعدد في الطرق والأساليب وتوفير في نفقات الأسرة
دمشق- البعث
الغلاء المعيشي من أبرز وأهم الأسباب التي دفعت الكثيرين إلى استثمار حدائقهم المنزلية والتوجّه إلى الاهتمام بها، وخاصة مع السنوات العجاف التي رافقت الأحداث في سورية، وكلّ ما شهدته من ارتفاع جنوني مطّرد في أسعار الغذاء بأصنافه المختلفة من فاكهة وخضار ومنتجات حيوانية، فبات العمل على إنتاج بعض أصنافها في الحدائق أو المساحات المتوفرة أمراً مُهمّاً تعمل عليه الكثير من الأسر السورية.
تجارب عديدة مميزة تمّ رصدها ومتابعتها تؤكد رغبة الكثير من سكان دمشق وريفها بالبحث عن مصادر بديلة للإنتاج والدخل الغذائي.
“أبو منار” يربي في بناء آخر دجاجاً بلدياً على سطحه بعد حصوله على موافقة جيرانه، ويصف مشروعه البسيط بالمربح جداً، فالدجاج البلدي كما يقول غذاؤه بسيط ويأكل بقايا الطعام المنزلي ولا يحتاج إلى الكثير من الاهتمام، أضف إلى ذلك أن مقاومته عالية للأمراض وعوامل الطقس والجو، ومن خلاله يؤمّن احتياج أسرته من مادة البيض.
تجربة أخرى مميّزة يتحدث عنها “أحمد شرف”، وهو طالب في كلية الاقتصاد، إذ يربي الشاب طيور السمان والأرانب وحتى أنواع مختلفة من الحمام في حديقة منزله الواقعة في ضاحية قدسيا، وتتحدث “أم زين” الساكنة في المنطقة نفسها عن تجربة بسيطة أخرى قد تكون متاحة للكثيرين، فجزء من شرفة منزلها خصّصته لمساكب مزروعة بالبقدونس والبصل الأخضر تهتمّ بها شخصياً، ليكون صحن تبولة ببقدونس منزلي الأكثر تفضيلاً من كل أفراد عائلتها حين تعدّه، كما تقول.
الجدير ذكره أن المواد الأولية اللازمة لتجهيز الحديقة المنزلية والتحول إلى أشكال جديدة من الإنتاج متاحة ومتوفرة، فمحلات كثيرة في منطقة البزورية ومحيطها يتواجد لديها بذور لأصناف مختلفة من الخضراوات والأعشاب كالكزبرة والبقدونس والفجل والبندورة، أما الدجاج والطيور المنزلية فلها سوقها الخاص أيضاً، الذي تتوفر فيه أنواع مختلفة تصلح للتربية المنزلية.
ومن الناحية الاقتصادية يمكن من خلال زراعة الأسطح تعزيز مستوى الأمن الغذائي للأسرة، ويمكن لكثير من الأسر تأمين جزء كبير من احتياجاتها من الخضراوات الطازجة وبعض الأعشاب الطبية والعطرية وحتى الفاكهة، من خلال زراعة بعض الأمتار على اﻷسطح أو الشرفات، فالزراعة المنزلية بإمكانها أن توفر فرص عمل ومصدراً للدخل وتعزيز سبل العيش وخاصة للأسر الفقيرة، إذ يمكن إنشاء مزارع تعتمد على تقنيات الزراعة بدون تربة، ويمكن إنشاء بيوت بلاستيكية صغيرة فوق الأسطح تزرع بالخضراوات مثل البندورة والخيار والفليفلة والفراولة وغيرها وفق هذه الطريقة.
ويؤكد أحد الخبراء الاقتصاديين أن مشروع الحديقة المنزلية من المشاريع المهمّة اقتصادياً التي ينبغي تكريس ثقافتها، وهو مشروع يمكن تبنيه من قبل المواطنين على مراحل، فمن الضروري بداية الاقتناع بالفكرة وأهميتها والشعور بضرورة تنفيذها من قبل السكان، ليصار إلى تطبيقها في مراحل أخرى بغرض تحقيق الاكتفاء الذاتي للأسرة، وفي المرحلة الأخيرة يمكن التفكير بالفائض أو الوفرة، التي يمكن من خلالها تحقيق بعض الأرباح للعائلة، ونلاحظ اليوم أن معظم الأسر السورية طبّقت أفكاراً وتجارب في الحديقة المنزلية، لكن للأسف فإن الكثير من هذه التجارب فشلت ولم تنجح النجاح المنتظر، وربما يكون التفسير مرتبطاً بقلة الخبرة المحلية، وضعف التشجيع والتوعية، في المقابل وجدنا أن هناك أفكاراً وتجارب أخرى نجحت ويمكن أن نسميها أعمالاً زراعية رائدة، وهي للأسف تجارب فردية لا ترتقي إلى مستوى الاقتصاد الوطني أو التأثير فيه، ودون المستوى المطلوب أو المأمول تحقيقه بالنسبة لمثل تلك المشاريع، ويمكن أن ندرجها تحت إطار ما يُسمّى التدبير المنزلي.
رغم حديث الجميع عنها بإيجابية، لكن المطلوب هو دعم حقيقي للمواطنين ليقوموا بزراعة حدائقهم أو شرفات منازلهم واستثمارها، فالمواد الأولية بسيطة ومتوفرة وهي بمتناول الجميع، ويجب اليوم زيادة نشر هذه الثقافة والعمل على تنظيم أبنية عمرانية في المرحلة التي تلي الحرب تكون قابلة للاستثمار الزراعي المنزلي وتتوفر فيها الحدائق التي يمكن أن تحقّق جدوى اقتصادية مرتفعة، وخاصة إذا ما تمّ استثمارها بالأعشاب الطبية ذات الأسعار الجيدة والحيّز القليل المطلوب لزراعتها، حينها نتائج أكبر سوف نلمسها، وفي كل الحالات فالمسألة تتطلب وقتاً، والرصيف أو البناء يتمّ تشكيله حجراً حجراً.