دراساتصحيفة البعث

استحقاقات الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة  

ريا خوري

تسابقت العديد من الدول الغربية بخطوات لافتة نحو الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، حيث أعلنت كلّ من أيرلندا وإسبانيا والنرويج رسمياً الاعتراف بدولة فلسطين، في حين أبدت العديد من الدول الأخرى مثل مالطا وسلوفينيا اعتزامهما اتخاذ خطوة مماثلة، وهو ما عُدّ ثغرةً في جدار الصد والمنع الأوروبي لحقوق الشعب الفلسطيني ولو بحدّها الأدنى.

وفي ضوء استمرار العدوان الصهيوني الإجرامي على قطاع غزة والشعب العربي الفلسطيني، تطرح العديد من التساؤلات التي تفرض ذاتها وهي: هل يؤدّي ذلك إلى اتساع مساحة الاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين؟ وأين تصبّ خطوات الاعتراف العالمية بتلك الأحقية التي كان يجب أن تكون منذ سنوات بعيدة؟ وإلى أي مدى سيخدم ذلك نضال الشعب الفلسطيني وكفاحه المستمر منذ أكثر من ثمانية وسبعين عاماً للتخلص من هذا الاحتلال العنصري المجرم؟.

الجدير بالذكر أنه على الرغم من استخدام الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي في الثامن عشر من نيسان 2024 لمنع صدور قرار دولي يفتح الباب أمام منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت في العاشر من شهر أيار قراراً بأحقية فلسطين لهذه العضوية في الأمم المتحدة صوّتت لمصلحته مائة وثلاث وأربعون دولة وامتنعت خمس وعشرون دولة عن التصويت.

جميع الدول والشعوب المناصرة للشعب الفلسطيني وقضاياه المركزية العادلة ترى أنه من حق فلسطين أن يكون لها مقعد دائم، وعضوية كاملة بين الدول التي تتشكَّل منها الجمعية العامة للأمم المتحدة، ذلك أنها شعب، وأرض، وسلطة ولها تاريخ وجذور، بصرف النظر عن النزاعات والصراعات التي أوجدها الانتداب البريطاني، ومن ثمّ الاحتلال الصهيوني، وما نتج عنهما من اختلالات قانونية وتشريعية وواقعية، متذكرين صدور قرار التقسيم رقم ١٨١ الذي أصدرته هيئة الأمم المتحدة بتاريخ ٢٩ تشرين الثاني عام ١٩٤٧م الذي يؤكِّد حق الشعب العربي الفلسطيني بإقامة دولته الكاملة السيادة، بغض النظر عن الاعتراضات والاحتجاجات السياسية العربية التي واجهت قرار التقسيم حينئذ. وفي ذلك الوقت كان عدد الأعضاء في الأمم المتحدة فقط ستاً وخمسين دولة، بينما عدد الدول وصل إلى مائة وثلاث وتسعين دولة، أي أنّ تأهّل فلسطين للعضوية في الأمم المتحدة سبق أحقية أغلبية الدول الأعضاء الحاليين.

فهل كان موقف الولايات المتحدة الأمريكية حين رفعت حق النقض (الفيتو) قوياً وله تأثير سلبي يساهم في تعطيل التوصية التي وافقت عليها اثنتا عشرة دولة في مجلس الأمن الدولي، وهي تحتاج فقط لتسعة أعضاء، وفق ما ورد في الفصل الثاني؟ بينما حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به خمس دول دائمة العضوية وهي: (الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية، والصين، وفرنسا، وبريطانيا) تحدَّدت أهدافه ومراميه وموضوعاته في الفصلين السادس والسابع من الميثاق الدولي، اللذين يتناولان حالات الحفاظ على السلام والأمن العالميين، والعضوية الجديدة في الهيئة العامة للأمم المتحدة تحدَّث عنها ميثاق هيئة الأمم المتحدة بوضوح تام قبل أن يذكر أي شيء عن حق النقض (الفيتو).

لقد تباينت المواقف والآراء التي بحثها عدد كبير من المتخصصين بالقانون الدولي، وكان الأكثرية قد أكّدوا أنَّ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في العاشر من شهر أيّار 2024 هو بمنزلة تأكيد قبول عضوية دولة فلسطين الكاملة في هيئة الأمم المتحدة حسب الفقرة الثانية من المادة الرابعة التي تنص على أنَّ قرار قبول العضوية في الأمم المتحدة يتم اتخاذه في الجمعية العامة بناءً على توصيةِ مجلس الأمن الدولي. وبذلك يكون قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة نهائياً، وليس هناك حاجة لعرضه مرة ثانية على مجلس الأمن الدولي، لأنَّ هذا المجلس قد صوّت في الثامن عشر من شهر نيسان الماضي بأغلبية ااثني عشر عضواً فيه لمصلحة الموافقة على التوصية بقبول العضوية، وبالتالي فإن حق النقض (الفيتو) الأمريكي في هذه الحالة غير قانوني على الإطلاق ولا وجود له من الناحية التشريعية، لكونه اعترض على توصية، وليس على قرار، وهو موضوع إجرائي مهم جداً لا علاقة له بالسلم والأمن الدوليين.

فإذا كان المبدأ التشريعي والقانوني العام المكتوب من عشرات السنين، يؤكِّد أنَّه (عند وجود نص واضح وصريح تنتفي الاجتهادات)، وهو صريح وواضح في هذا الإطار، لكون قرار قبول عضوية الدول ينص عليه الفصل الثاني من ميثاق هيئة الأمم المتحدة، فهو لا يتعلق بقوة ما أو بصلاحيات مجلس الأمن الدولي في الفصلين السادس والسابع في حل النزاعات والصراعات الدولية وحفظ الأمن والسلم الدوليين، حيث تم ذكر حق النقض (الفيتو) فيهما دون غيرهما من الفصول المعتمدة. إن قبول نتائج حق النقض (الفيتو) الأمريكي ضد مشروع القرار الذي قدّمته جمهورية الجزائر في الثامن عشر من شهر نيسان 2024 يتنافى مع ميثاق هيئة الأمم المتحدة ويتعارض مع مقاصد ومرامي وأهداف المنظمة. فالمادة الثانية (الفقرة الأولى) من ميثاق هيئة الأمم المتحدة تنص بوضوح تام على أنَّ (هيئة الأمم المتحدة تقوم على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها دون تمييز).

إن قرار الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة الأخير بموضوع عضوية دولة فلسطين في المنظمة حصل على موافقة مائة وثلاث وأربعين دولة، وهي أغلبية ساحقة، تمثل بقوّة الإرادة الدولية، ما سيجعل عرض مشروع القرار الجزائري مرَّة ثانية على مجلس الأمن الدولي كأنَّه تجاوز لهذه الإرادة الدولية وتجاوز لأهدافها ومراميها، بما يتناقض ويتنافى مع أهم مبادئ هيئة الأمم المتحدة التي تحترم كل الدول دون استثناء وبشكلٍ متساوٍ، ولاسيما أن عرض القرار على مجلس الأمن الدولي من جديد، ربما يُعرّضه إلى نقضٍ آخر قد ينتج خلافاتٍ ومشكلات كبيرة، ويُعدّ إساءة كبيرة للمجتمع الدولي، واستخداماً قسرياً لحق النقض، وخروجاً عن الأهداف والمرامي والمقاصد التي ولدت من أجلها هيئة الأمم المتحدة.

لقد كانت الدول الخمس الدائمة العضوية في الأمم المتحدة قد أعلنت عن أنّ ما تملكه من اتخاذ حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي هو حماية السلم والأمن الدوليين، وليس وضع العصي بعجلات عمل هيئة الأمم المتحدة. إن الفقرة الثانية من المادة السابعة والعشرين تسمح بصدور قرارات عن مجلس الأمن الدولي في المسائل الإجرائية، بموافقة تسع دول من أعضائه. إنَّ التوصية بقبول عضوية دولة في هيئة الأمم المتحدة هي مسألة إجرائية تتعلق بالفصل الثاني من ميثاق هيئة الأمم المتحدة، وليست مسألة عملية أو موضوعية كما جاء في الفصلين السادس أو السابع، من الميثاق، اللذين تحدّثا عن دور وسلطات ووظائف مجلس الأمن الدولي. والمادة الثانية والأربعون (الفقرة الثانية) تنص على أنّه: “يجب على مجلس الأمن الدولي، عند أدائه هذه الواجبات وتلك الاستحقاقات، أن يعمل وفقاً لمقاصد ومرامي وأهداف هيئة الأمم المتحدة وليس ضدها”، والسلطات الخاصة المعطاة لمجلس الأمن الدولي هي لتمكينه من القيام بهذه الواجبات الملقاة على عاتقه.