رؤى وقراءات وإضاءات في تجربة عبد الغني ملوك الروائية
حمص- عبد الحكيم مرزوق
الروائي عبد الغني ملوك من الأسماء اللامعة في تاريخ الرواية السورية، رفد المكتبة العربية بعشرات الروايات المهمّة التي جسّدت العديد من الأحداث في بعض أنحاء الوطن العربي، فكان السارد والشاهد على الكثير من تلك الأحداث التي تعامل معها بحيادية الراوي، تاركاً أبطال رواياته في خضم تلك الأحداث يتفاعلون معها ويعبّرون عن رأي الشارع فيما يحصل من أحداث، وقد تُرجمت بعض مؤلفاته في السويد وكندا وأستراليا.
ولأجل ذلك قدّم نزيه ضاحي الذي يكتب في الدراسات والأبحاث النقدية التي لها علاقة بالقصة والرواية، مجموعة من الدراسات والأبحاث النقدية لمجموعة من النقاد والباحثين الأكاديميين الذين تحدثوا عن تجربة ملوك الغنية، فكان كتابه “رؤى نقدية وقراءات في روايات الكاتب عبد الغني ملوك” الصادر عام 2023 عن “دار الينابيع”، ومن خلاله يسلّط الضوء على روايات عبد الغني ملوك العشر، وهي على التوالي “السوسن البري”، و”جسر على نهر جاف”، و”أواخر الأيام”، و”مرايا النهر”، و”مجامر الروث”، و”في قبو الدير”، و”الحب في زمن الحرب”، و”أحلام الذئاب”.
كما يتحدث الكتاب عن الأفول الحزين في مجمل روايات ملوك، ويتضمن عرضاً لكتاب الدكتورة سحاب شاهين في أدب عبد الغني ملوك تحت عنوان “بنية الرواية وتقنيات السرد”، ويتضمن بحثاً بعنوان “الحرية الفكرية في رواياته ودراسات وأبحاث لعدد من الكتاب” ومنهم الدكتور وليد العرفي، وعبد الكريم الناعم، والدكتور عيسى أسعد، وسحر عطية، وعيسى إسماعيل، وإيمان حمادي، ورضاب العلي، وغسان المحمد، وأندريه ديب.
ومما قاله الشاعر عبد الكريم الناعم: “اللغة في روايات ملوك لغة سردية، فصيحة، لا تقعر فيها، ولا مبالغات، ولا ذهاباً إلى عوالم الجملة الشعرية التي يعتمدها البعض، بل هي اللغة التي يفهمها أستاذ الجامعة والقارئ البسيط، حتى لكان كلّ جهده مرتبطاً بالأحداث وربطها، لا يزينها من خارج الأحداث، وهذا قد يترك فسحة أوسع للتخيل أكثر مما قد يحدّد بالجملة، ومسألة شعرنة اللغة في القصة أو في الرواية مسألة تختلف فيها الأذواق بين مؤيد ومعارض، كما تختلف حضوراً وتأثيراً بين كاتب وآخر، وقد تكون عند هذا رائعة جداً، وقد تتحوّل إلى عبء على العمل عند آخر”.
ويرى الدكتور وليد العرفي في حديثه عن تقنيات الخطاب السردي في رواية “من الحلم إلى الخراب” أن ملوك اعتمد على تسلسل الأحداث الروائية وفق سياق تاريخي متتابع، وهو يبدو من خلال اللغة التي صبغت فيها الرواية التي جاءت وفق متن حكائي روته الشخصيات بلسان حالها الذي جاء تعبيراً عن بعدها الثقافي ومرجعياتها الفكرية، وحسب زاوية الرؤية التي رأت الشخصيات الأحداث من خلالها.
وتشير الدكتورة سحاب شاهين في كتابها “بنية الرواية وتقنيات السرد” إلى أن روايات ملوك تتميّز بكثافة الأحداث وتلاحقها مع الاهتمام بالتفاصيل، فرواياته تحاول بناء عالمها الخاص وفق رؤيته وموقفه من العالم الذي يجسّد الخير والإنسانية والعطاء، ويدعو إلى المثل العليا والأخلاق، على الرغم من تسليطه الضوء على الكثير من الجوانب السلبية والمفاسد والتجاوزات بوصفها صوراً ومشاهد تعكس جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتعرّي الفاسد وتكشف المنحرف لتدعو إلى السبيل القويم، وتجنّد شخصيات يكون دورها مدّ يد العون للآخرين للسير بهم في طريق الصواب.
وترى سحر عطية أن ثلاثية “مجامر الروث” كانت مزجاً رائعاً بين السياسة والحب والتاريخ والعلم، مع تصوير دراماتيكي واقعي لما حدث، وتحليل منطقي لما جرى ويجري، وقد لامست العقول، وأضاءت المشاعر، فهي عمل فني متكامل مرتب بدقة يكشف براعة كاتبها، إنها ملحمة مهمّة في منطقة ما تزال متفجرة.
وفي الختام نذكّر ما قاله الباحث نزيه ضاحي: “يحاول ملوك أن يصوّر العلاقة الحميمة التي تربطه بالبيئة الحمصية المحلية من خلال أحاديثه عن أحيائها باب الدريب، والحميدية، وباب السباع وغيرهما، تمهيداً للانطلاق إلى العالمية من خلال ترجمة رواياته في السويد وكندا وأستراليا”.