“اقتصاد التشبيك الذكي”.. حلول مؤقتة وإسعافية لا تصنع هوية اقتصادية
دمشق- ميادة حسن
مازال موضوع هوية الاقتصاد السوري يثير الجدل في ورشات الحوار الحكومية، وهو مثار مناقشات كثيرة بين مختلف المكوّنات، ومن المعروف أن الاقتصاد السوري مرّ بمراحل ومفاصل تاريخية عدة، كان من أهمها نتائج ثورة الثامن من آذار، ولاسيما التأميم والإصلاح الزراعي وبعدها الحركة التصحيحية المجيدة والتي أقرّت النظام الاشتراكي، لكن بصيغة سورية تضمّنت مفاهيم القطاع العام والمشترك والتعاوني والقطاع الخاص، وتعزّز هذا التوجّه في تسعينات القرن الماضي، ولاسيما لجهة إفساح المجال أكثر لمساهمة القطاع الخاص وصدور قوانين تشجيع الاستثمار، وصولاً إلى عام 2005 حيث تمّ اعتماد مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي والذي بدأ يحقق بعض النجاحات رغم الملاحظات العديدة، حين بدأت الأزمة السورية في 2011 وفُرضت علينا حربٌ إرهابية مدمرة استهدفت بشكل ممنهج البنى التحتية والإنتاجية ومصادر الطاقة ثم الحصار والعقوبات، التي فرضت على الحكومات المتعاقبة خلالها مفاهيم وإجراءات غير متجانسة تضمّنت في بعضها مفهوم اقتصاد الحرب وإدارة الأزمات والنقص وصولاً لإدارة العجز.
ترتيب الأولويات
إن الفهم الدقيق لمرحلة التعافي الاقتصادي ومتطلبات مرحلة إعادة البناء والإعمار تفرض علينا ضرورة تحديد دقيق لهوية الاقتصاد السوري، مع الإقرار بصعوبة ذلك وتعقيده واقعياً، نظراً للتباينات الإيديولوجية والمتغيّرات الواقعية التي فرضتها الحرب الظالمة، وكذلك متطلبات التعافي وإعادة الإعمار.
وبحسب أهل الاختصاص يبيّن لـ”البعث” دكتور الاقتصاد فادي عياش أنه من غير المناسب الخوض كثيراً والجدال حول النظريات وتجارب الآخرين، على أهمية الإلمام بها والاطلاع عليها بغية المحاكاة، وليس نقلها وتطبيقها كما هي، فالملاحظ أن الدستور السوري 2012 ترك الباب موارباً في مسألة التحديد الدقيق لطبيعة وهوية الاقتصاد السوري، وفي مساهمات عدة طُرحت أفكار تضمنت تحديداً مفصلاً لهوية الاقتصاد السوري، وركزت فيها على ترتيب الأولويات الاقتصادية الإسعافية منها والإستراتيجية، ويبدو أن نموذج “اقتصاد التشبيك الذكي” كان الأبرز، وذلك بهدف تحقيق التعافي الاقتصادي محلياً وصولاً إلى تحقيق مفاهيم التنمية الذكية، فالتنمية هي الهدف الأسمى لأي اقتصاد، وهو يقوم على التشبيك بين الاشتراكية السياسية والاجتماعية، والرأسمالية الاقتصادية، التي تتضمن التشبيك القطاعي لتحقيق مبدأ التشاركية والتكامل والتضافر والتنويع، مع أهمية وحتمية ترتيب أولويات محدّدة تقوم على قيادة القطاع العام السليم والمعافى للمرحلة القادمة.
تطوير القطاع العام
يدعو عياش للتشاركية (وليس المشاركة) بين القطاعين العام والخاص، بما يضمن زجّ كافة الطاقات والقدرات المتاحة في خدمة الاقتصاد الوطني، وبما يضمن الحفاظ على الملكية العامة من جهة والاستفادة من إمكانيات قطاع الأعمال الخاص التمويلية والإدارية والفنية في خدمة التعافي الاقتصادي، وفي دعم الهوية الاقتصادي من الأكثر أهمية وضرورة ملحة في هذه المرحلة هي إصلاح القطاع العام الاقتصادي عبر عدة مراحل مؤكدة تضمن تحويله إلى شركات مساهمة عامة، تحفظ الملك العام وتتجاوز عقبات التنظيم وقيود القوانين والتشريعات التي تفقد هذا القطاع المرونة اللازمة لمواجهة المتغيّرات السريعة في بيئة الأعمال، والخطوة الأولى بدأت فعلاً من خلال إعادة هيكلة المؤسّسات والشركات الصناعية وذات الطابع الاقتصادي، بالإضافة إلى إصلاح وتطوير القطاع العام الإداري والخدمي بالتوازي، فالقطاع العام كان أحد أهم أسباب النجاح عبر كافة تجارب إعادة الإعمار الناجحة عالمياً، وهو الضامن الفعلي لمخاطر مراحل إعادة الإعمار، كما كان الضامن خلال فترة الحرب الظالمة.