سموم الليبرالية الحديثة تترصد شبابنا.. نحتاج لنهج جديد لإعلامنا وجامعاتنا لتقديم حلول مبتكرة
غسان فطوم
على الرغم من أهمية ما جاء في ورشة الحوار التي أُقيمت أول أمس على مدرج جامعة دمشق، وتمحورت حول “دور المؤسسات الإعلامية في تعزيز الوعي والانتماء والهوية، ودور الشباب وأهمية التمسّك بهويتنا وحضارتنا”، لكن نعتقد أننا وصلنا إلى مرحلة لم يعد يكفي فيها تقديم المقترحات ووجهات النظر فقط، بينما نزيف الكفاءات مستمر، والتكنولوجيا المذهلة التي تروّج لليبرالية الحديثة تفعل فعلها بمجتمعنا، وبالشباب على وجه الخصوص، حيث تحاول جاهدة تغيير كلّ المفاهيم والقيم الإنسانية واستبدالها بالانحلال الأخلاقي بهدف فصل الشباب عن مبادئه أو قيمه، وإضعاف انتمائه الوطني، مشكّلةً بذلك أخطر أنواع الغزو الثقافي والاقتصادي والاجتماعي من خلال ما تروّج له من أهداف خبيثة.
استنفار حقيقي
وبالعودة للورشة التي حظيت بحضور رسمي وإعلامي وطلابي كبير، نرى من المفروض أن يعقبها حراك، أو استنفار في مؤسساتنا الإعلامية، وكل الجامعات الحكومية والخاصة والمنظمات الشبابية والطلابية، وحتى منظمة الطلائع، من أجل مواجهة مخاطر الليبرالية الحديثة، فتلك الجهات مطالبة اليوم بسرعة إعداد “إستراتيجية منهجية تعزّز البنية الاجتماعية المناهضة لأفكار الليبرالية، وتحصين جيل الشباب بمزيد من المعرفة والوعي”، وهو مطلب أكد وشدّد عليه المشاركون في الورشة.
تعزيز القيم والهوية
وزير الإعلام الدكتور بطرس الحلاق شدّد أثناء الورشة على دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها وأشكالها وأثرها في الرأي العام، وخاصة في ظل التغيّرات التي أحدثتها التكنولوجيا على المجتمع، ودعا إلى ضرورة العمل على تعزيز الروابط الثقافية والقيم والهوية.
والسؤال هنا: لماذا لا نرى برامج حوارية مكثفة على شاشاتنا الوطنية ومحطاتنا الإذاعية ومنشورات على المواقع الإلكترونية للصحف الرسمية تحذّر من مخاطر الليبرالية الحديثة، وتقوي، بل تعزّز الانتماء والارتباط بالهوية؟.
برامج مسيئة للمجتمع
للأسف الكثير من البرامج يصنّف في خانة تعبئة الوقت إلا ما قلّ وندر، وبالتأكيد هذا لا يخدم متطلبات الوقوف في وجه تحديات ومخاطر وسموم الليبرالية الحديثة والعولمة التي تستغل هذه الفجوة في إعلامنا، بينما على الطرف المقابل تنشط المنصات الاجتماعية ذات المسميات المختلفة بشكل كبير، والأخطر أنها تعمل دن رقابة وتقدّم بكل حرية وجرأة برامج مسيئة للمجتمع الهدف منها الربح ولو على حساب تخريب عقول الشباب!.
صحيح هناك صعوبات في السيطرة على هذه الفوضى، لكن عندما يتوفر المحتوى الإعلامي الجيد نخفّف كثيراً من مخاطر تلك المنصات، وسمومها والتي ما هي إلا أدوات خطيرة تروج لليبرالية الحديثة!، والسؤال: لماذا لا نبادر بتطوير محتوانا الإعلامي بشكل يحقق الأمان ويدعم ويعزّز الانتماء الوطني والاعتزاز بالهوية، وسط حالة من الاغتراب التي يعيشها أبناء هذا الجيل، بل المجتمع بشكل عام، نتيجة المتغيرات والتحديات التي نشهدها، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي الخطير؟!.
دور الجامعات
اختراق الغزو الثقافي لمجتمعاتنا ليس وليد السنوات الأخيرة، بل ظهر بشكل واضح مع بداية الألفية الحالية، ومع تنامي خطر الليبرالية الحديثة زاد الشرخ بين الهوية والثقافة، وبات الشباب الفئة الأكثر استهدافاً، هنا يبرز دور الجامعات والمؤسسات التربوية في مواجهة الخطر و”تعزيز الهوية الوطنية لدى الشباب وسعيها لإدخالهم في المؤسسات الثقافية صوناً لأفكارهم وتوجيهها نحو ما هو مفيد لهم ولوطنهم”، وهذا ما أشار إليه بوضوح الدكتور بسام إبراهيم وزير التعليم العالي.
هنا نسأل: ماذا تنتظر جامعاتنا للقيام بهذا الدور؟
واقع الحال يشير إلى أن دورها ما زال تقليدياً (تعليم وتلقين) الطلبة للعلوم وتخريج عشرات الآلاف كل عام من الخريجين الذين ليسوا في المستوى المأمول!.
في مقدمة المواجهة
كان من الأفضل أن يكون كل رؤساء الجامعات الحكومية والخاصة موجودين في الورشة المذكورة، فجامعات القرن الـ/21/ مطالبة بتغيير أدوارها، فالشباب الجامعي يعيش اليوم صراعاً ثقافياً بين ثقافة الماضي والثقافة العالمية الجديدة، والجامعات هي الأقدر على التصدي لمواجهة هذا الصراع وحسمه لصالح قيمنا ومبادئنا وتعزيز انتماء شبابنا، وتوعيتهم وتحذيرهم من مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي، ومظاهر الاغتراب الثقافي، والوقوف “في وجه المفاهيم الليبرالية الحديثة المتمثلة بانحلال كل ما هو أخلاقي أو قيمي والعمل ليكون الشباب في مقدمة المواجهة المشتركة لهذا التحدي”، بحسب ما أشارت إليه الدكتورة دارين سليمان رئيسة الاتحاد الوطني لطلبة سورية خلال مجريات الورشة.
بالمختصر..
لكلّ المعنيين نقول: موروثنا التاريخي في خطر، وقيمنا الأخلاقية في مرمى الليبرالية الحديثة، ورغم أهمية ورشات العمل، لكنها لا تكفي وحدها، لذا من المفيد أن نعمل على بلورة نهج جديد لمؤسّسات الإعلام والثقافة عبر دعمها تقنياً، وبالكوادر البشرية المؤهلة والمدرّبة جيداً لتكون قادرة على بث الرسائل الهادفة لتعزيز الانتماء والهوية، فالإعلام يعتبر عاملاً أساسياً في صناعة الهوية والتعبير عنها، وخاصة الإعلام الجديد بأشكاله المختلفة الذي بات اليوم يتصدّر المشهد كأحد أبرز الأدوات في انتقال الثقافات وتبادل الخبرات داخل المجتمع المحلي وخارجه، والإعلام بشكل عام له أهمية كبيرة في تعزيز وحماية الهوية الوطنية والقيم الأخلاقية والاجتماعية والثقافية في المجتمع، ودعوة الشباب على وجه الخصوص للدفاع عنها والتمسّك بها.
أيضاً لمؤسساتنا التعليمية أدوار مهمّة في هذا المجال، لذا على الجامعات أن تتحرّر من دورها التقليدي في تلقين العلوم، أمام الخطر المتنامي للسياسات الليبرالية “المستقتلة” لإفراغ التعليم العالي من مضمونه الإبداعي والمعرفي، وكل ما يمتّ للقيم الإيجابية وغيرها. ما يعني أن المنظمات الطلابية والشبابية والجامعات عليهم مسؤولية كبيرة في بناء الشباب الجامعي بشكل صحيح من خلال خلق جيلٍ واعٍ ومسؤول يؤمن بالقيم والمبادئ ويقف بجرأة وقناعة في مواجهة الغزو الثقافي وتعزيز الانتماء والهوية الوطنية.
بالمختصر، يجب أن نغيّر آليات التعاطي والتنفيذ ونخرج من مرحلة معالجة الأعراض للتخفيف من الألم إلى مرحلة مواجهة المشكلة بشكل مباشر، فالتحديات لا تُعدّ ولا تُحصى والوقت ليس في صالحنا!.