الترشح ضمن قوائم الحزب.. والانضباط الحزبي
بسام هاشم
للوهلة الأولى، أثار قرار القيادة المركزية بتخفيض مستوى عضوية 19 من أعضاء مجلس الشعب لمدة عام كامل، ومنعهم من الترشح مجدّداً ضمن قوائم الحزب، الكثير من اللغط والتعليقات التي تراوحت ما بين السلبية والإيجابية، حيث سارع البعض لاعتباره قراراً متشدّداً بحق مجموعة من الكوادر الحزبية “الجريئة”، فيما نظر إليه آخرون باعتباره خطوة لتكريس حالة انضباطية لا غنى عنها عبر التطبيق الصارم للأنظمة الداخلية.
ورغم أن القيادة المركزية اكتفت في تعليل قرارها بالإشارة إلى “عدم قدرة” الرفاق المعنيين بالقرار “على رفع مستوى وعيهم العقائدي والتنظيمي والسياسي”، مستندة في ذلك إلى مذكرة مكتب التنظيم المركزي، وكتب لجنة الرقابة والتفتيش، وشعبة مجلس الشعب، المتضمنة عدم الالتزام بتعليمات القيادة، إلا أن الجميع يعرف أن المسألة تتعلق بتصويت الرفاق “الأعضاء” المذكورين ضد طلب الإذن بملاحقة عضو مجلس شعب مرتكب ومدان قانونياً. والواقع أن تعليل القيادة جاء على غاية من الكياسة والتهذيب، فهو لم يوجه أي اتهام، بل على العكس أبدى استيعاباً كبيراً للموقف، بحيث اعتبره مجرّد مخالفة انضباطية غير مقصودة، وغير محسوبة التداعيات، وبالتالي لا تستوجب الفصل.. لقد أدرجت القيادة الحزبية المخالفة في خانة “تراجع الوعي العقائدي والتنظيمي والسياسي”، بمعنى الحاجة إلى المزيد من.. ليس الثقة والإيمان العقائدي، وإنما التثقيف! ولكن، ومهما كان واقع الحال، فإن القضية بحد ذاتها تطرح أسئلة كبيرة تتعلق بمعنى الانتماء الحزبي ومتطلباته وضروراته وعمل التنظيم وأهمية الانضباط، وخاصة في الظروف الصعبة التي مرّت بها سورية الدولة والحزب والشعب على امتداد السنوات الماضية.
بداية، لا بد من الإشارة إلى أن الانتساب لحزب ما والعمل في صفوفه يعني القبول بمبدأ العمل الجماعي المنظم والتشاركية في المسؤوولية الرفاقية؛ وأي محاولة لخرق هذا المبدأ إنما تعكس نزعة للانحياز للقناعات الشخصية، والسلوك الفردي، والانسياق خلف مواقف شعبوية قد تدغدغ، في حينها، مشاعر الجمهور ولكنها قائمة – حقيقة – على خداعه، واللعب على ضعف ذكائه، ولن نقول الاستهتار بمعاناته، أو حتى استغلال قسوة ظروفه الحياتية والمعيشية. فأنت لا يمكنك المسارعة إلى تسجيل المواقف فيما بقية رفاقك يتعرضون لشتى أشكال الاتهامات، الموضوعية وغير الموضوعية؛ وأنت عندما تجد نفسك مضطراً لخوض المعركة، في وقت واحد، مع عدو خارجي (أعداء!!) يمارس الإبادة، وعندما تكون لقمة عيشك مرهونة بطبيعة خياراتك السياسية والعقائدية.. عندها لن يكون مسموحاً لك أن تمارس متعة المعارضة، ولا رياضة الوقوف على الحياد، ولا الوقوف على الجدار بانتظار جلاء الموقف.. فالجميع يدرك أن “حكومة البعث” ترزح تحت ضغوط المستهدف منها أولاً هو سورية الموقف السياسي، وأن المسألة تتجاوز، في جوانب كثيرة منها، مجرّد رغبة أو نهج إدارة السلطة التنفيذية، لتطال مجمل المعطيات السياسية والأمنية والإقليمية والدولية التي تحيط بالوضع السوري.
إن تصرف البعض بما يوحي وكأنه يستمرئ اللعب في الوقت الضائع، أو الاستعراض في غير محله، أو حتى القفز من سفينة تخيل لوهلة أنها غارقة، تصرف غير رفاقي، وغير أخلاقي، وغير مبدئي على الإطلاق، والأهم أنه غير سياسي؛ خاصة وأن كل ما يحيط بنا صعب. ولكن لا شيء تحت الطاولة، والقاصي والداني يعرف حقيقة ما كان مرتّباً – ويرتّب – لسورية قبل وطوال وما بعد سنوات الحرب التي لم توفر في إجرامها لا المدارس ولا المستشفيات ولا المحاصيل ولا قطعان الماشية؛ حرب أخذت شكل القتل والتهجير والتجويع وقتل أبسط مقومات العيش، وهي تستهدف اليوم إزهاق الأمل والمعنويات من خلال عرقلة عملية إعادة الإعمار وإشاعة مناخات الإحباط والتأييس؛ مع الإشارة، ها هنا، إلى أن بعض من نالته “العقوبات” الحزبية لا يمكن أن يضع نفسه وقاعدته الانتخابية في موقف الدفاع عن الفاسدين، إلا إذا كان يعتبر أن غيمة الأزمة المعيشية لا ينبغي أن تمر فوق شريحته المجتمعية.
كان الأولى الاعتراف بحقيقة الوضع، إذ لا يمكن لبعثي أن يحاول تسجيل النقاط بحق الحزب، ولا بحق زملائه في الكتلة البرلمانية، ولا العبث بحقائق الوضع، ذلك أن خطوة من هذا النوع – على حسن نواياها – قد تنذر بأسوأ العواقب في مثل هكذا الظروف.
قرار على الحدود المتحركة والرجراجة بين البعثي الملتزم المدرك لحقيقة المصاعب والتحديات، وبين بعثي مندفع يدعي الدفاع عن “الحصانة” (أية حصانة؟!)، ولو ضد شعبه وحزبه!!