وحشية الشرطة الأمريكية مستمرة
عناية ناصر
لم يكن لدى شرطة مدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا الأمريكية أدنى فكرة حول أن وفاة جورج فلويد المواطن الأمريكي من أصل إفريقي أثناء تثبيته على الأرض بغية اعتقاله من ضابط الشرطة ديريك تشوفين بالضغط على عنقه بركبته لمنعه من الحركة، ستشعل النار وأعمال الشغب في الولايات المتحدة، حيث قام مثيرو الشغب بإضرام النار في مركز الشرطة. وفي غضون أيام، انتشرت أعمال الشغب في جميع أنحاء البلاد، وحتى في الخارج.
بين عشية وضحاها، أصبحت التجمعات العامة، التي كانت محظورة بسبب عمليات الإغلاق أثناء انتشار فيروس كورونا، مقبولة مرة أخرى، طالما أنها كانت “للاحتجاج على العنصرية”. وبينما كانت تحترق مبانٍ كاملة في المدن ويموت الناس، وصفت وسائل الإعلام ما كان يحدث بالاحتجاجات “الملتهبة ولكن السلمية في الأغلب”.
وفي غضون أيام، وصل مثيرو الشغب إلى البيت الأبيض وأحرقوا كنيسة في الجانب الآخر من الشارع. إن ما بدأ ظاهرياً كاحتجاج ساخن ضد وحشية الشرطة تحوّل إلى “ثورة ملوّنة”، ولكن هذه المرة كانت ثورة محلية فقط. ودعا الديمقراطيون، الحريصون على الإطاحة بالرئيس دونالد ترامب، إلى “وقف تمويل الشرطة” واستشهدوا بحادثة فلويد باعتباره ضحية العدالة. لكن عندما بدأت أعمال الشغب تلحق الضرر بالديمقراطيين في صناديق الاقتراع، توقفت فجأة. وكي يفوز بالانتخابات استضاف جو بايدن أقارب فلويد في البيت الأبيض، وتعهّد بـ”إصلاح الشرطة”، لكن ذلك لم يحدث أبداً. لقد استخدم القوة الكاملة للقانون ضد أعدائه السياسيين، واعتقل الآلاف من الجمهوريين بتهمة “التمرّد” في أعمال الشغب في الكابيتول في 6 كانون الثاني. لم يكن الديمقراطيون مهتمين بوقف تمويل شرطة الكابيتول بعد أن قام أحد ضباطها بإعدام آشلي بابيت، المتظاهرة المؤيّدة لترامب، بدم بارد، حيث أدّت أحداث 6 كانون الثاني واضطهاد هؤلاء المتظاهرين منذ ذلك الحين إلى الإضرار بمشاعر “دعم الديمقراطيين” بين الجمهوريين.
لقد كانت وحشية الشرطة مشكلة طويلة الأمد في الولايات المتحدة، حيث التماسك الاجتماعي والثقة منخفضان، والكثير من الناس يحملون السلاح، ولهم حق دستوري في ذلك، وحيث تحبّ المؤسسة العسكرية تفريغ معداتها الفائضة على عاتق هيئات إنفاذ القانون. لكن يبدو أن هذه القضية لا يتم تفعيلها إلا عندما يكون من الممكن تناولها حول العرق، أو خلال موسم الانتخابات، وفقط عندما يستفيد منها حزب معين.
بلغت احتجاجات “حياة السود مهمّة” التي بدأت في عام 2013 ولفتت الانتباه إلى وحشية الشرطة، ذروتها في عام 2016، لكنها توقفت فجأة في اللحظة التي قرّرت فيها هيلاري كلينتون أنها تضرّ بفرصها في الفوز في الانتخابات. استمرّ تعرّض السود، والأمريكيين من جميع الأجناس، للقتل في المواجهات مع الشرطة في جميع أنحاء البلاد، ويبدو أنه لا أحد يهتم بذلك، ولا حتى بمقتل فلويد.
لقد تُرجمت معظم مقترحات “إصلاح الشرطة” في السنوات الأربع الماضية إلى “لا تقم بمراقبة السود”. وهذا ما انتهى به تطبيق القانون في جميع أنحاء الولايات المتحدة. استقال العديد من الضباط، ولم تكن هناك زيادة طفيفة في توظيف عناصر الشرطة حتى أواخر عام 2023.
لم يتم حل مسألة إطلاق الشرطة الأمريكية النار أولاً، ومن ثم طرح الأسئلة لاحقاً. في شهر أيار الماضي، قام ضابط شرطة بإطلاق ست رصاصات على الطيار من السود روجر فورتسون الذي فتح الباب وكان يحمل بيده مسدساً توخياً للحذر، ليتبيّن أن الضابط ذهب إلى الشقة الخطأ، وكان الأمر برمّته عبارة عن سوء فهم كامل أودى بحياة فورتسون الذي لم يكن يستحق الموت. لم يسمع الشعب الأمريكي عن مثل تلك الحالات لأن وسائل الإعلام والساسة لم يكلفوا أنفسهم عناء تناول قضيتهم. كان الطيار فورتسون أسود، ومع ذلك لم تكن هناك أي أعمال شغب حول وفاته حتى الآن. إنه عام انتخابي، وقد يضرّ بفرص إعادة انتخاب بايدن المتضائلة بالفعل، وهذا أيضاً هو السبب وراء عدم تحدث الرأي العام الأمريكي عن حملة القمع التي تقوم بها الشرطة ضد المخيمات المؤيدة للفلسطينيين في عشرات الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى، فإن المشكلات الفعلية التي أدّت إلى وفاته، المخدرات، والجرائم البسيطة، وعدم كفاءة الشرطة، والوحشية، والعنصرية، تزداد سوءاً، لأنه لا يبدو أن أي شخص مسؤول يهتمّ بحلّها.