الاعتراف الثلاثي بدولة فلسطين.. تكتيك لحماية مصالح الغرب
د.معن منيف سليمان
تفاقمت حالة الإرباك التي تشهدها الساحة الداخلية الغربية من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتجلّى ذلك بوضوح مع الاعتراف الثلاثي من كل من إسبانيا وإيرلندا والنرويج بدولة فلسطين، ما يعكس تضارباً عميقاً بالمواقف الغربية عامة، على الأقل في ظاهر الأمر.
إن دول أوروبا هي عمق استراتيجي لأمريكا وحليفتها في الناتو وحديقتها الخلفية، ولهذا يمثل الاعتراف الثلاثي تكتيكاً يهدف إلى الضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية “بنيامين نتنياهو” المنفلت من عقاله، للخضوع والإنصات إلى العالم، ووقف الكارثة الإنسانية التي تشهدها غزة واللجوء إلى المسار التفاوضي للوصول إلى حلول تراها هذه الدول مرضية.
وهذا كله يجسّد حالة من الانسجام بين الإدارة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين من خلال إعطائهم هامشاً أوسع ودوراً أكبر في هذا الإطار، حتى لا تكون واشنطن وحدها في مواجهة الثور الإسرائيلي الهائج، وذلك عبر اتخاذ مواقف صامتة تارة ومباركة ضمنية تارة أخرى.
وبناء على ذلك، جاء الاعتراف الثلاثي بدولة فلسطين بفعل التحوّلات الجيوسياسية التي تقتضي التحرّك ضمن تكتيك معيّن ومدروس للدفاع عن مصالح الغرب وتحالفاته المستقبلية بعيداً عن كل ما يجعل البعض يظن أن القرار جاء استجابة لمطالب إنسانية وسياسية، وذلك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أحرج الغرب وأوقعه في ورطة باتت تهدّد مصالحه في العالم عندما انساق خلف رغباته ومصالحه الخاصة التي قادته إلى توسيع نطاق الحرب ومواصلة قصف البنية التحتية المدنية في قطاع غزة ومنع المساعدات الإنسانية ورفض الاستماع إلى المجتمع الدولي.
لقد باتت مصالح الغرب الاستراتيجية مهدّدة في ظل استمرار العدوان الوحشي على قطاع غزة، وما يترتب عليه من حرب إبادة جماعية إسرائيلية في غزة، وتجاهل الكيان الإسرائيلي قرارات مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار فوراً، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية وتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة، ما جعل حكومات دول الغرب تصطدم بشعوبها وطلاب جامعاتها ونخبها، فمنذ نيسان الماضي، بدأ الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية يتصاعد على نحو غير مسبوق ثم اتسع لاحقاً ليشمل جامعات دول أوروبا ودول أخرى في العالم.
ويبقى هذا الاعتراف الغربي بدولة فلسطين لا قيمة له، لأن الاعتراف الأمريكي هو وحده الذي سيجعل فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وهذا لن يحدث ما لم يعدّل ميثاق الأمم المتحدة ويُلغى حق النقض للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. وعلى الرغم من أن أكثر من مئة وثلاث وأربعين دولة اعترفت بفلسطين كدولة قبل الدول الثلاث، غير أن الكيان الإسرائيلي يراهن على أمريكا في وأد القضية الفلسطينية وتحويل الشعب الفلسطيني إلى أقلية تقبل وهي مرغمة بالحلول الإسرائيلية.
بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي لن تعترف بدولة فلسطين، هناك فرنسا وبريطانيا وألمانيا لا تعترف بدولة فلسطين، وقد شدّدت هذه الدول على أنها لن تعترف بدولة فلسطين حتى يتم حل الصراع مع الكيان الإسرائيلي سلمياً.
إن الاعتراف الثلاثي بدولة فلسطين يشير إلى تحرّك غربي وتنسيق عالي المستوى بشكل لا لُبس فيه لاحتواء غضب الشارع الغربي والمجتمع الدولي المتزايد ويأسه حيال الاحتلال الإسرائيلي وممارساته الوحشية والعنصرية، وخاصة في خضمّ العدوان البربري على قطاع غزة الذي دفع باتجاه إعادة زخم القضية الفلسطينية على الساحة الدولية. ولو كانت الدول الأوروبية جادة فعلاً في مواقفها التي يصفها البعض بالإنسانية لما شهدنا مثل هذه الإبادة الجماعية الرهيبة المستمرة منذ سبعة أشهر في قطاع غزة.
لا شك أن نجاح الفلسطينيين ومن يقف خلفهم في الجمع بين الصمود الشعبي والكفاح المسلّح من أجل استرداد الحقوق الوطنية، هو السبب الرئيس الذي دفع الغرب إلى القلق على مصالحه والتحوّل في سياسته تجاه القضية الفلسطينية، ولاسيما أن العالم أدرك أن حل هذه القضية لن يكون إلا عبر الطرق السلمية وإقامة دولة فلسطينية.