ثقافةصحيفة البعث

تجربة صقر عليشي في ندوة نقدية في اتحاد كتاب حمص

حمص _سمر محفوض

ناقشت الندوة النقدية التي أقامها فرع اتحاد الكتاب العرب بحمص بمناسبة اليوم العربي للشعر، تجربة الشاعر صقر عليشي من عدة جوانب أدبية وفكرية.

وقد أكدت المداخلات أن منتج عليشي الشعري جاء انعكاساً لروحه وترجمة واقعية لأفكاره ورؤيته للحياة، متخذاً خطاً شعرياً اتسم بالنزوع إلى وجودية غائمة أحياناً، وواضحة في أحيان أخرى مع سخرية من الواقع، وتبسيط في اللغة مع الاحتفاظ بعمق المعنى، منطلقاً لفضاء من الشاعرية الكلية الحرة دون قيود تأثره، مغرداً في سرب خاص لتغدو هوية ثقافية تمثله، مستحقاً بذلك لقب (الألكسو).

من جهنته، أشار الناقد والشاعر راتب إدريس في قراءته أن صقر عليشي نجح في الربط بين عمق الكلمة وبساطتها، وسلاسة الجملة الشعرية وخفة ظلها، لتتماهى قصائده في مداها مواصلة غاياتها من أقصر الطرق وأدق التعابير بلغة مشحونة بالرموز والدلالات تشف عن رؤيا شاعر يقيم تلاحماً بينها وبين الوجود، معتبراً أن مجموعاته الشعرية رسائل هامة للإنسان تلتقي عند كلمة مفتاحية واحدة هي (لمحة عن شيء ما) وتذهب في كل جزء منها إلى أقصى ما تستهدفه، موظفاً تجربته بلغته الخاصة، وناقلاً إياها إلى التجربة العامة، مفتوناً بالبدايات ومفتوحاً على مستويات متعددة ومناسبة لروح العصر, وهو يجمع بذلك مختلف الفنون المتخيلة كمسرح ذهني، يدعم هيكلية القصيدة ويغني مضامينها الحيوية.

وأضاف إدريس يمكن القول أن الشاعر اعتمد على المفارقات الدلالية بنقل الخاصيات الحيوية إلى المعاني المجردة، مقدماً بذلك إضافات جمالية جديدة على السهل الممتنع المألوف كقوله:

يقولون لا شيء يولد مهما يكن من فراغ..  هكذا قالت الفلسفة

كيف يولد في الأرض  هذا الخراب الكبير من فراغ الضمير !!!

إلى أن نصل لخلاصته الوجودية:

لو تفي كلمتان لقلت لكم .. بدأت وانتهيت … وحقنت الدماء …..

وأضاء الناقد إياد خزعل على تجربة عليشي ديوان “الغزال” إنموذجاً، مشيراً إلى أن قصيدة “الغزال” التي حمل الديوان اسمها تحمل في طياتها دلالة رمزية لمعنى آخر للغزال، والذي يمثل قناعاً حسّياً للأنثى التي تتقاطع معه رشاقاً وغنجاً ودلالاً ومرواغةً، والارتقاء إلى ما يمكن أن تمثله روح الإنسان من تناغم لموسيقاه الداخلية والخارجية، فجاءت لغة القصائد أعلى من الكلام المادي الذي وظفه عليشي بحرفية ليكون شعراً رفيعاً، يعبر عن تجربة الشاعر الفلسفية والإيديولوجية، على شكل احتفاء  بالطبيعة والأنثى والعاطفة.

وأشار خزعل إلى أن الشاعر صقر عليشي في قصيدة “المستحمة” بيّن العلاقة المتوشحة بين الحداثة والتراث كجدلية منطقية، فنحن نظلم التراث حين نظن أن الابتعاد عنه يجعلنا حداثيين، والشعر – ربما حتى العالمي منه – فيه كوامن تؤكد أنه نسيج متداخل، وهذا ليس عيباً أو يقلل من الشاعرية فـ “مستحمة” عليشي تتعمد ترك فرجة في الستائر قاصدة عن عمد أن تدهش الشاعر:

هي تعرف أني هناك..

لذا تركت فرجة في الستائر تودي إلى دهشتي.

ليختتم بسؤاله: هل أراد الشاعر من الوصف أن يودي بنا إلى وصف آخر، أو نفتش عنه في خلايا النص؟ أم كان يعي ذاته وعياً دقيقاً وهو يدرك أن نصّه ينضوي على نصوص أخرى له أو لغيره، لكنه أراد شيئاً غير المعنى الظاهري للنص.

بدوره صديق الشاعر المقرب، الدكتور رضوان السح، قال: بروح الألفة والمحبة تمكن عليشي عن جدارة بالإمساك بعنصر الإدهاش في شعره وشخصيته، وتصالح مع المعنى فجاء كأنه منها وفيها بعد أن قدم كل قرابين العاطفة والجهد لتخرج قصائده مصقولة في صورتها الأبهى، وقد أفاض عليها بجماليات اللفظ وأخلاقه التي تحمل الصدق والوفاء والإخلاص.

وتناول الناقد عطية مسوح تفاصيل تجربة عليشي، مشيراً إلى أن على المتابع والقارئ والناقد لشعر عليشي الابتعاد عن المألوف في التلقي، لأنها تجربة خارج المألوف، وقال إن الدراسة النقدية يجب أن تطبق مناهج جديدة على شعرية عليشي الذي تناول في ديوان “اللمحات” كل الموجدات الغريبة عن الشعر وآنستنها شعرياً مثل الغبار والأبواب والمفاتيح وغيرها، حيث التقط الشعرية من هذه الموضوعات، ثم أخذها بمهارة إلى معالجته الخاصة ليمنحها منحى جديداً كجزء من تجربة خاصة في بناء الصورة الشعرية مثل قصيدته “المصباح في الشارع” خارجاً عن المألوف ومجدداً في الشعر العربي الحديث بعد جماعة أبولو ونزار قباني ومحمود درويش.

وأكد مسوح أن الشاعر نجح في التقاط الصور الشعرية المركبة، حاملاً إياها نحو الومضة الشعرية، وقدمها في بناء فني وموجز وحداثوي، مبتعداً في كل ذلك عن الغموض الذي يلف صورة القصيدة السائدة.

ونوه إلى أن عليشي يمتاز برؤيا شعرية فلسفية وفهم خاص لأبعاد الزمن وأحداثه، بما يصب في بوتقة وحدة الوجود، فكانت الطبيعة جزءاً أصيلاً منه، وكانت السخرية مألوفاً موظفاً بدقة بعيداً عن الإرهاص، بحيث جاءت على شكل موقف جاد من الحياة وتعبيراً عن الواقع بشكل رشيق وممتع.