قرار غامض.. ما الذي يضمن التنفيذ؟
طلال ياسر الزعبي
لا شك أن إصرار الإدارة الأمريكية على عرقلة أي قرار من مجلس الأمن الدولي يفضي إلى وقف إطلاق النار طوال الثمانية أشهر الماضية، ثمّ تقديم مشروع قرار قريب ممّا عرقلته سابقاً، يضع إشاراتِ استفهامٍ كبيرةً حول الغاية الأمريكية الإسرائيلية من هذا القرار في هذا التوقيت بالذات.
فالقرار بصيغته الحالية لا يقدّم أي ضمانة بإجبار “إسرائيل” على تنفيذه إذا ما وافق عليه الجانب الفلسطيني، وهو غير معنيّ أصلاً بالتنفيذ المتزامن لبنوده، إذ يعطي الأولوية لإطلاق سراح الأسرى الصهاينة على حساب عشرات الآلاف من الأسرى الفلسطينيين الذين لا يأتي على ذكرهم بشكل واضح، بمعنى أنه يتيح لـ”إسرائيل” إمكانية الانقلاب على القرار تحت أي ذريعة تغطّيها واشنطن وحلفاؤها، كما أنه يضع الانسحاب الإسرائيلي نتيجة لذلك وليس مقدّمة له.
وهذا يعني أن القرار بصيغته الحالية حمّال أوجه، ولا وجود لأيّ ضمانة لتنفيذه من الكيان الصهيوني، فضلاً عن كونه يعطي “إسرائيل” صكّ براءة من المجازر وجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها من خلال مساواتها مع المقاومة الفلسطينية بوصفها الطرف الآخر المفاوض، ويقفز على جميع القرارات التي اتخذتها المحكمة الجنائية الدولية حول جرائم الإبادة الصهيونية المثبتة. وبالتالي يصوّر “إسرائيل” على أنها الطرف الملتزم بالقرارات الدولية ويضع الفلسطينيين في خانة الرافض للتنفيذ في حال طلبوا تعديل أيّ جانب من القرار، وفي هذه الحالة يصبح القبول الفلسطيني بهذا القرار دون التحفظ على الآلية وضمانات التنفيذ عبارة عن خضوع لابتزاز واضح، فإما أن تقبل فصائل المقاومة به بصيغته الحالية، وإما أن تظهر بصورة المعرقل لحقن دماء الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يمكن أن يُفسّر على أنه محاولة لدقّ إسفين بين فصائل المقاومة في غزة، وعلى كامل التراب الفلسطيني.
ولا شك أن هذه الصيغة يمكن أن يتم إخراجها أمريكياً على أنها نصرٌ دبلوماسي لإدارة جو بايدن عشية الانتخابات الأمريكية، في الوقت الذي تمثل فيه صيغة مقبولة لرئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو لإنزاله من أعلى الشجرة دون خسائر، وتحوّله هو الآخر إلى بطل للحرب والسلام، وهو متورّط في جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان.
ومن هنا كان تفسير المندوب الروسي في مجلس الأمن لامتناع بلاده عن التصويت واضحاً في الإشارة إلى أن القرار “غامض ويعتمد على اتفاقات يديرها وسطاء لا نعلم عمّا يتفاوضون عليه وعلى ماذا وافقت إسرائيل”.
فالقرار يتضمّن “وقفاً فورياً وكاملاً لإطلاق النار” وليس دائماً، وهذا ما تنبّهت إليه المقاومة، أي أن “إسرائيل” تستطيع – كما قال مندوبها في مجلس الأمن- أن تستأنف عدوانها على القطاع بمجرد الادّعاء أن المقاومة أخلّت بشيء من بنود القرار، وإذا ما تم ذلك فلا ضمانة تمنع قيام “إسرائيل” باستئناف عدوانها، ما دام الانسحاب الكامل لم يتم ووقف إطلاق النار ليس دائماً.
وفي مطلق الأحوال، مشروع القرار الأمريكي لم يأتِ إلا بعد اصطدام الجيش الصهيوني بحائط مسدود وعجزه عن الحسم عسكرياً، وبالتالي لا ضمانة لتنفيذ القرار إلا بحاجز الردع الذي تمكّنت المقاومة من صناعته طوال فترة العدوان، من خلال إيقاع الخسائر الكبيرة والهائلة في صفوف قوات الاحتلال، وهي خسائر ستبدأ بالظهور إلى العلن تباعاً، فضلاً عن الانهيار في الاقتصاد الصهيوني، وفي المنظومة الدعائية الصهيونية التي عجزت عن الاستمرار في خداع الرأي العام الغربي وتضليله، بعد أن أصبح الأخير في مواجهة مباشرة مع الصهيونية في العواصم الغربية، وهو ما ينذر بانهيارات في المنظومة الغربية برمّتها.