متى تخرج الأبحاث الطبية السورية من المختبر إلى التطبيق؟
ليندا تلي
ما يشهده عصرنا الحالي من تطوّر وتقدّم سريع بمختلف مجالات الحياة كالتكنولوجيا والصناعة وغيرها، يتوازى، بالمقابل، مع زيادة ملحوظة في معدل الإصابة بالعديد من الأمراض، وعلى رأسها مرض السرطان الذي يعدّ مرض العصر حالياً، إذ تزداد نسب الإصابة به وبمختلف أنواعه بشكل ملحوظ سنوياً على الصعيد العالمي عموماً وعلى الصعيد المحلي خصوصاً، ما استدعى العمل على زيادة الأبحاث والدراسات لإيجاد حلول ناجعة لهذا المرض.
وعند الوقوف على دور الأبحاث العلمية السورية المحكمة في هذا المجال، أكّد الباحث والمخترع السوري إبراهيم الشعار أهمية البحث العلمي والتطبيقي، كما أشار إلى أهمية التعاون المشترك بين الباحثين والأطباء للوصول إلى حلول تساعد بالحدّ من الإصابة بالأمراض السرطانية.
وفي سؤاله عن النتائج التي توصّل إليها من اختراعه “الكيفيران القلوي”، أكد الشعار أنها إيجابية ومبشّرة في العديد من الأنواع السرطانية، وذلك بعد إجراء العديد من التجارب والدراسات.
وتجدر الإشارة إلى أن “الكيفيران القلوي” أو ما يعرف أيضاً بـ”قنبلة السكر” حائز براءة اختراع مسجّلة في سورية وحاصل على موافقة وزارة الصحة السورية ومسجّل أيضاً في المنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية (WIPO) في جنيف كعلاج واعد ومبتكر للسرطان، إذ حظي باهتمام واسع من المختصّين ولاسيّما بعد رصد مؤشرات إيجابية مبنية على بيانات تفصيلية حول استخدامه، فقد أظهرت التجارب نتائج مبهرة في قتل الخلايا السرطانية الشديدة الفتك مثل خلايا الساركوما، وذلك استناداً إلى عدّة أوراق بحثية نُشرت في مجلات علمية محكّمة.
ماتريكس الشعار
وفي إطار السعي الدؤوب لتحسين جودة الحياة وتقديم العون الطبي الأمثل، نوّه الشعار بأنه يجري العمل حالياً على تأسيس برنامج “ماتريكس الشعار” الذي يهدف إلى تعزيز التعاون مع الجهات المعنية من خلال نقل الأبحاث السورية من المختبر إلى التطبيق، وذلك لتحقيق إنجازات تقلّل من معاناة المرضى وعائلاتهم وتحسّن من جودة حياتهم، بالإضافة إلى القيام بالتجارب والدراسات، وذلك وفقاً لتوصيات الأدلة الإرشادية المثبتة بالبرهان وأخلاقيات البحث العلمي، التي تهدف إلى معالجة الأمراض المزمنة وأمراض المناعة الذاتية ما ينعكس إيجاباً على المرضى.
يأتي برنامج “ماتريكس الشعار” ليشكّل نقلة نوعية في المجال العلاجي والوقائي، وفق ما قالت الدكتورة أريج الحمايل العضو في البرنامج، إذ أنه يتميّز بنهجه الشامل الهادف إلى التأثير الإيجابي في المجتمع وذلك من خلال تقديم حلول طبية مبتكرة وفريدة من نوعها.
وفي حديثها لـ”البعث” بيّنت الحمايل أنّ البرنامج يشمل جميع مرضى السرطان وذويهم وكذلك المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة والتي تندرج ضمنها الأمراض العصبية مثل طيف التوحّد، والمناعية الذاتية كالذئبة الحمامية والتصلّب اللويحي، والغدية، كالسكري من النمط الثاني.
مفتاح للشفاء
وبما أن عوامل الاستجابة تختلف من مريض ورَمي إلى آخر، فإن برنامج “ماتريكس الشعار” يتعامل مع كلّ حالة بشكل فردي، وفق ما بيّنت الحمايل، حيث يتّم التركيز على الدعم النفسي كونه يمثل 50% من عملية العلاج، بالإضافة إلى وضع أسس غذائية خاصة بكل مريض، مع مراعاة كل التفاصيل والعوامل المتعلّقة بالحالة المرضية وبالورم مثل مرحلته ودرجته ووجود النقائل من عدمها.
ويعتمد البرنامج، حسب الحمايل، في معظم علاجاته، على دعم جهاز المناعة، حيث يرى أن تعزيز المناعة هو المفتاح الأساسي للشفاء، ومن خلال هذه الإستراتيجية يأمل البرنامج بتقديم فرصة جديدة للشفاء وتحسين جودة حياة المرضى، إذ أن “ماتريكس الشعار” ليس مجرّد برنامج علاجي، بل هو رؤية جديدة للعلاج الطبي تجمع بين العلوم الحديثة والرعاية الشاملة، ليصبح بذلك بريق أمل جديداً يضيء طريق المرضى نحو الشفاء.
بدوره أكد الدكتور عدنان بدور اختصاصي الصحة العامة والطب الوقائي وعضو في برنامج ماتريكس الشعار على ضرورة نقل الأبحاث السورية من المختبر إلى التطبيق، والسعي لتحسين جودة الحياة بالاستناد إلى الابتكارات المسجلة، وفقاً لتوصيات الأدلة الإرشادية المثبتة بالبرهان وأخلاقيات البحث العلمي.
البيروني
مدير مشفى البيروني الجامعي للعلاج الكيماوي لمرضى السرطان، الدكتور محمد القادري، بيّن أن الطاقة الاستيعابية للمشفى تبلغ 550 سريراً، بالإضافة إلى 244 كرسي حقن، و9 غرف عمليات بجميع اختصاصاتها، وبطاقة استيعابية لغرف العناية بلغت 16 سريراً، وأربعة مخابر، حيث يقدّم المشفى خدماته الطبية والفنية والإدارية من خلال 10 أطباء هيئة تدريسية، و59 طبيباً مشرفاً واستشارياً، و4 صيادلة، و448 عنصر تمريض، و145 طالب دراسات عليا.
وفي حديثه لـ “البعث” قال القادري: خلال العام الماضي بلغ عدد مرضى مراجعي العيادات الخارجية 135000 مريض، وعدد المرضى الجدد الكلي 10869، والمرضى الجدد في قسم الأطفال بلغ 362 مريضاً جديداً، وبلغ عدد الجلسات الكيميائية 300- 500 جرعة دوائية يومياً، و400 جلسة شعاعية يومياً، و35 دراسة ومضانية يومياً، وتمّ إجراء 1857 عملية جراحية ورمية، ووصل عدد الدراسات النسيجية إلى 13500 سنوياً، ووصل عدد التحاليل المخبرية إلى 1700 تحليل يومي.
تقليل الخطر
ويمكن تقليل خطر الإصابة بالسرطان – وفق القادري – عن طريق الإقلاع عن تعاطي التبغ، والحفاظ على وزن صحّي للجسم، وإتباع نظام غذائي صحّي يشمل تناول الفواكه والخضراوات والإقلال من الدهون والدسم، وممارسة النشاط البدني بانتظام، وتجنّب تعاطي الكحول أو تقليل تعاطيه، والحصول على التطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري والتهاب الكبد لفئة محدّدة وأعمارهم محدّدة موصى بها إليهم، وتجنّب التعرّض للأشعّة فوق البنفسجية (الناتجة في المقام الأول عن التعرّض لأشعّة الشمس أو أجهزة التسمير الاصطناعية) والحدّ من التعرّض (قدر المُستطاع) للإشعاع المؤيّن (من خلال التصوير التشخيصي المهني أو الطبي)، والحدّ من التعرّض لتلوّث الهواء في الأماكن المغلقة والمفتوحة، والحدّ من التعرّض للمواد المسرطنة الصناعية أو المهنية (من خلال التهوية الجيدة واستخدام وسائل الوقاية الفردية والجماعية بأماكن العمل).
مقاربة بشكل عام
أما ما يخصّ نسب الإصابة بالسرطان في البلاد، فهي مقاربة بشكل عام للنسب العالمية، وأكثر الأورام شيوعاً هي أورام الثدي والرئة والكولون والمستقيم والبروستات، ويعتمد مشفى البيروني الجامعي، حسب القادري، في تأمين احتياجاته من الأدوية والمستلزمات الطبية كبقية المؤسسات الصحية على آلية الاستجرار المركزي الموحّد، وينحصر دور المشفى في رفع الاحتياجات إلى وزارة الصحة عن طريق وزارة التعليم العالي لتقوم الوزارة بجمع احتياجات كل المؤسّسات الصحية وتأمينها عن طريق المؤسسة العامة للتجارة الخارجية ثم توزيعها على المؤسسات الصحية.
علاج مجاني
ويقول القادري: كلّ الأدوية والخدمات المتوفرة في المشفى يتمّ تقديمها بشكل مجّاني لجميع مرضى الأورام السوريين ومَن في حكمهم، وجميع العلاجات الورمية بما فيها العلاج الكيميائي تكون فعّالة وشفائية بالمراحل المبكرة من الأورام، بينما تنخفض فائدتها مع تقدّم الإصابة، وربما تقتصر فائدتها على الفائدة التلطيفية بالمراحل المتقدمة.. ومن هنا كان الإصرار على الكشف المبكر حتى يكون العلاج فعّالاً قصير المدة منخفض التكلفة وذا تأثيرات جانبية قليلة.
توعية وتعريف
الجدير بالذكر أنه تمّ في سورية تأسيس الجمعية السورية لمكافحة السرطان عام 1964 للتوعية ضدّ هذا المرض، وتعريف المريض عبر البروشورات المختلفة بكل نوع من أنواع السرطان وطرق الكشف والعلاج، وخاصة بعد أن أزهق السرطان أرواح 10 ملايين شخص تقريباً حول العالم في عام 2020، ووفقاً لتقديرات جديدة صادرة عن منظمة الصحة العالمية من المتوقع وقوع أكثر من 35 مليون حالة سرطان جديدة في عام 2050، أي بزيادة قدرها 77٪ عن الزيادة المقدّرة في حالاته بمقدار 20 مليون حالة في عام 2022.
سد فجوة الرعاية
وقد خصّص يوم الرابع من شباط من كل عام يوماً عالمياً للسرطان، وهو مبادرة يقودها الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان uicc، ومن خلال رفع مستوى الوعي العالمي وتبادل المعرفة وتحفيز العمل الشخصي والجماعي والحكومي لإعادة تصوّر عالم يتمّ فيه منع الملايين من الوفيات الناجمة عن السرطان، ويكون فيه الوصول إلى علاج السرطان والرعاية المنقذة للحياة منصفاً للجميع، وكان موضوع حملة اليوم العالمي لهذا العام “سدّ فجوة الرعاية”، وهو يدور حول توحيد أصواتنا واتخاذ الإجراءات اللازمة وجذب الانتباه إلى مستوى أعلى بالمعنى الحرفي للكلمة.