الانتخابات الأمريكية واستحقاقاتها
ريا خوري
خرجت الحملات الانتخابية الرئاسية الأمريكية من مرحلة المنافسة إلى مرحلة النزاع المباشر والنزاع الخفي بين المرشحين في بعض الأحيان، كما تضمّنت برامج الحملات الانتخابية الكثير من الوعود منها إعادة بناء وعمار الولايات المتحدة الأمريكية، وتضمّن الخطاب الذي ألقاه الرئيس جو بايدن مستغرقاً أكثر من ساعة كاملة، انتقاداتٍ متكررة للرئيس السابق دونالد ترامب خصمه اللدود في انتخابات شهر تشرين الثاني، منتقداً تعليقاته الأخيرة بشأن روسيا الاتحادية وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، كما تضمّن خطابه الدفاع عن حق الإجهاض، وقال: إنه سيعمل بكل ما بوسعه على استعادته في جميع أنحاء الولايات المتحدة إذا أعيد انتخابه لدورة جديدة.
عرض الرئيس بايدن سجلّه في المجال الاقتصادي والتجاري والمالي، وامتدح ما تم تمريره من تشريعات وقوانين ضخمة وخاصة المتعلقة بخفض التضخم النقدي، والتخفيضات الضريبية بكل مستوياتها، والتشريعات والقرارات والقوانين والمبادرات، وقال: إنها “عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن تبني مستقبلاً بالإمكانيات الأميركية الضخمة”، كما جاءت كلمات بايدن عن قضية الهجرة وأمن الحدود امتداداً لدعواته المتكرّرة للجمهوريين إلى تمرير إجراءات أمنية منضبطة وصارمة على الحدود مع المكسيك.
في سياق التنافس الانتخابي ستواجه أفكار الحملة الانتخابية للمرشحين الرئيسيين، مثل تلك المتجسّدة في خطة بايدن لإعادة بناء أمريكا، أو تعهّدات ترامب بإصلاح الخدمة المدنية والاحتياطي المالي الفيدرالي، والبدء في عمليات الترحيل الجماعي للاجئين، والمطالبة بشهادة المعلم الوطنية التي يجب أن يحصل عليها جميع الطلاب، وغيرها، وجميع تلك القضايا بمنزلة تحدّيات جسيمة في المحاكم الأمريكية والفوز بأغلبية أعضاء الكونغرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ.
ومع ذلك، فإن أي رئيس سيصل إلى البيت الأبيض سيبقى مقيداً، بسبب العجز الفيدرالي الضخم الذي تعاني منه البلاد وارتفاع كلف الإقراض والديون والسندات المالية، وحتى لو لم تكن هناك مبادرات أو اقتراحات جديدة، فإن مكتب الميزانية العامة التابع للكونغرس الأمريكي قدّر من خلال تقاريره ودراساته أن العجز المالي الفيدرالي سيرتفع من 5.6% حالياً إلى 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024م. ويجب النظر إلى هذه الأرقام والمعطيات في إطار المطالب الأخرى على أسواق رأس المال، كتطوير الذكاء الاصطناعي.
وسواء كان الحزب الجمهوري أم الحزب الديمقراطي في البيت الأبيض، العام المقبل، فإن الاقتراض الأمريكي سوف يرتفع بشكلٍ كبير، وسيكون عائد سندات الخزانة المالية لأجل عشر سنوات أعلى بكثير من معدل اثنين ونصف بالمائة، الذي شهدته الولايات المتحدة الأمريكية منذ أن بدأت الأزمة المالية الكبيرة عام 2008م حتى جائحة كوفيد ١٩. فعلى مدى السنوات الأربعين الماضية، بلغ متوسط سعر الفائدة على سندات الخزانة المالية الأمريكية لعشر سنوات خمسة بالمائة، وفي المستقبل، من المرجّح أن تكون المعدلات حول الأربعة بالمائة.
فكلا الرئيسين بايدن وترامب يتجنّب باستمرار اتفاقيات التجارة الحرة الجديدة والمتجدّدة، ويعِد ترامب، في حال فوزه، بفرض تعريفة جمركية شاملة بنسبة تصل إلى عشرة بالمائة على الواردات الأمريكية، وأخرى أعلى على السلع والبضائع القادمة من الصين، في حين تفرض إدارة بايدن بالفعل رسوماً مرتفعة على السيارات الكهربائية التي تصنّعها الصين وتصدّرها للولايات المتحدة.
وإذا ما استمرّ هذا النهج على ذلك النحو، فستُلحق سياسات الرئيسين المرشحين الضرر الكبير بحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في اليابان وأوروبا، ومناطق أخرى تكافح في سبيل تنمية وتطوير اقتصاداتها.
من جهةٍ أخرى، نجد أن منطقة جنوب شرق آسيا ودول البرّ الصيني السريعة النمو، تعتمد بشكل عملي وفاعل على جمهورية الصين الشعبية لتحريك أسواقها التجارية وتبادل البضائع السلع. بالتالي، فإن أي رسوم جمركية أمريكية أعلى، ستدفعهم أكثر إلى حضن الصين الدافئ. ومع تضخّم حجم منتجات التكنولوجيا الفائقة والهايتك والمركبات الكهربائية في البر الرئيسي، فإن نموّ الولايات المتحدة الأمريكية في هذا القطاع على المدى الطويل عرضة للخطر والتدهور.
ضمن هذا السياق، سيكون ترامب أسوأ من بايدن، فيما يتعلق بالعلاقات المالية والتجارية مع حلفاء أمريكا، وأكثر عدوانية بشأن فصل الاقتصاد الأمريكي عن الاقتصاد الصيني، ورسالته الواضحة والصريحة إلى جميع الشركات الأمريكية هي أنه قد يكون الذكاء الاصطناعي هو الذي سيحقق الاستثمار في الصين وتصنيع المكوّنات والبضائع والسلع لبيعها هناك، حيث إنه لا يمكن عرضها أمام المستهلكين الأمريكيين، بينما يُنظر إلى السياسات الصناعية التي يتبعها بايدن على أنها مكلفة جداً وغير قابلة للتطبيق في جميع المنتجات الصناعية.
وفي حال تولي بايدن أو ترامب المسؤولية، من المرجّح أن يشهد الاقتصاد الأمريكي مزيداً من التحفيز المالي والنمو البطيء على المدى القصير، ومع ذلك، سيواجه الاحتياطي الفيدرالي تحدّياً أكبر للحفاظ على غطاء التضخم، مع العلم أنّ الفيدرالي هو جهاز حكومي، يعمل في الولايات المتحدة الأمريكية عمل البنوك المركزية في الدول الأخرى من العالم.