دراساتصحيفة البعث

حقائق حملتها عملية النصيرات

د. معن منيف سليمان

حملت عملية النصيرات لتحرير أربعة أسرى إسرائيليين حقائق عدّة، وسجّلت بحق الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة جرائم حرب جديدة أضيفت إلى سجلّهم الإجرامي.

بداية، العملية نفّذت بمساعدة وتخطيط من الخلية الأمريكية الاستخباراتية العاملة في الكيان الإسرائيلي، ما يثبت حقيقة أن الولايات المتحدة ليست وسيطاً، بل هي شريكة في حرب الإبادة على قطاع غزة، ولهذا لا يمكن الوثوق بوعودها المعلنة حول وقف الحرب أو دورها الوسيط في المفاوضات بشأن عملية تبادل الأسرى. فالولايات المتحدة هي المسؤولة عن إنشاء الميناء العائم على ساحل قطاع غزة الذي تبيّن من خلال مجريات الأحداث أنه قاعدة استخباراتية وموقع عسكري تم استخدامه لأهداف عسكرية تحت ستار إنساني، وكان جزءاً مهمّاً من العملية الإسرائيلية، وقد حذر خبراء عسكريون سابقاً من أن الميناء العائم سيتم استخدامه في أعمال عسكرية ومخابراتية من خلال توظيف المساعدات القادمة إلى الميناء البحري.

لقد استغلت الولايات المتحدة حاجة الفلسطينيين في غزة للغذاء لابتزازهم في أمنهم وحياتهم، فبوساطة سيارات الشحن الإنسانية من الميناء العائم أدخلت عناصر وحدة “اليمام” الخاصة الإسرائيلية إلى قلب مخيم النصيرات، ومارسوا خداعاً قذراً كشف للعالم الدور الحقيقي للميناء العائم الذي أنشأته الولايات المتحدة على ساحل قطاع غزة.

ومن جهة أخرى، أظهرت مظاهر الفرح والابتهاج وتضخيم العملية باعتبارها حدثاً استراتيجياً يعكس حالة الضيق والإحباط التي يعيشها الكيان الإسرائيلي وحاجته إلى صورة انتصار حتى لو كان وهمياً لتحسين صورته المحطمة في عيون الإسرائيليين، في زمن الهزائم. فعلى مدار الثمانية الأشهر الماضية يتعرّض الكيان الإسرائيلي إلى نكسات عسكرية وصفعات دبلوماسية من كل حدب وصوب، كان آخرها إدراج الأمم المتحدة الجيش الإسرائيلي على لائحة الدول والمنظمات التي تستهدف الأطفال وتلحق بهم الأذى في النزاعات إلى جانب تنظيم “داعش” الإرهابي.

وعلى الرغم من أن بعض الإسرائيليين عدّوا العملية “نقطة ضوء في ظلمة كبيرة”، ينبّه عدد كبير من المراقبين الإسرائيليين إلى أن العملية لم تغيّر شيئاً من الواقع الاستراتيجي الإسرائيلي المتأزم، إذ إنها لم تنزع أوراق الضغط التي تمتلكها المقاومة ولا يزال لديها أكثر من ذلك بكثير، ولا يزال الكيان عالقاً في وحل غزة، ويخوض حرباً دون أفق ولا هدف واضح.

ومن الواضح أن العملية تشير إلى وقوع اختراق في الجانب الفلسطيني سيدفع المقاومة إلى مراجعة أوراقها، فيما يتعلق باتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع تكرار مثل هذه الحادثة في المستقبل، ما يقلل من احتمال إنقاذ الأسرى الآخرين بعمليات عسكرية مماثلة، ويترتب على قادة الكيان إعادة النظر مجدّداً بمثل هذا الأسلوب المكلف وضرورة تقليص الخسائر والاتجاه نحو صفقة تبادل أسرى تضمن خروجهم سالمين.

فمن ناحية الخسائر أسفرت العملية عن مقتل قائد العملية وإصابة عدد كبير من أفرادها، وكادت تخفق إخفاقاً ذريعاً لولا تدخل كتائب من الفرقة ٩٨ الإسرائيلية لإنقاذ الموقف. ولهذا كانت العملية باهظة التكاليف، وخاصة مع هلاك عدد غير معروف من الأسرى كثمن لتخليص أربعة منهم، كما أن عدد الشهداء الكبير نتيجة العملية سيزيد من خطورة وضع الكيان دولياً ويسقط نهائياً ما كان يدّعيه من أن جيشه هو “الجيش القوي والأخلاقي”!.

أما المذبحة التي ارتكبتها القوة المهاجمة في مخيم النصيرات، فهي تؤكد حقيقة أن الجيش الإسرائيلي ليس إلا عصاباتٍ مهووسة بالقتل والتدمير واستهداف الأطفال والنساء، فقد تسبّبت بمذبحة راح ضحيتها ما يقارب ٧٠٠ فلسطيني بين شهيد وجريح وتدمير حي كامل في مخيم النصيرات للاجئين.

وأخيراً، أثبتت العملية أن حكومات دول أوروبا، وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهولندا، هي حكومات متواطئة ومشاركة في حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة. فقد هنّأ رؤساء هذه الدول رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي على تحرير أربعة أسرى وتجاهلوا المجزرة التي راح ضحيتها المئات من الفلسطينيين الأبرياء بين شهيد ومصاب.