إندونيسيا.. مشهد ثقافي ونسيج روحي من التقاليد والقيم
جاكرتا- علي اليوسف
عبر أرخبيلها المتنوع تكتنز إندونيسيا مزيجاً آسراً من التقاليد والمعتقدات، فالعدد الكبير من الأعراق واللغات يقف بمثابة شاهد عيان على الوحدة في التنوع. في قلب هذا النسيج الثقافي يظهر مشهد ثقافي يعكس تاريخ الأمة الغني وقيمها وهويتها المشتركة. حتى أن المهرجانات الثقافية هي انعكاسات نابضة بالحياة لروح الأمة، حيث تعرض تقاليدها العرقية المتنوعة واحتفالاتها المشتركة، والتي تشكل جسوراً تربط الأجيال، والتي تُظهر فيه إندونيسيا احترامها العميق للثقافة والوحدة والتجارب المشتركة التي تربط شعبها معاً.
الموسيقى هوية وروح
في كل مكان تزوره في اندونيسيا يسترق سمعك الموسيقى التقليدية الذي يتردد صداها مع النسيج الثقافي المتنوع في البلاد. هذه الموسيقى التقليدية جزء لا يتجزأ من هوية إندونيسيا وروحها، بدءاً من الأصوات الساحرة لأوركسترا غاميلان، وحتى ألحان أنغكلونغ.
هذا المشهد الروحي هو عبارة عن فسيفساء من الأديان التي تتعايش معاً، فالتراث الثقافي والديني جزء لا يتجزأ من التصاميم المعقدة للمساجد والمعابد والكنائس، حيث يؤثر الإسلام، باعتباره الدين السائد، على الحياة اليومية ويشكل القيم المجتمعية. ومع ذلك، فإن مزيج إندونيسيا الفريد من المعتقدات الهندوسية والبوذية والمسيحية والمعتقدات الأصلية يخلق نسيجاً روحياً متنوعاً، فما بالك بالمشهد المعماري الذي يعد بمثابة كنز دفين من الأساليب المتنوعة، التي تعرض تاريخ البلاد الغني وتأثيراتها الثقافية.
الباتيك والأدب.. هوية ثقافية
أما الفنون والحرف الإندونيسية هي تعبيرات ملموسة عن الإبداع والهوية الثقافية من منسوجات الباتيك المعقدة، إلى دمى الظل وايانغ كوليت الساحرة، إذ بفضل أنماطه المعقدة وألوانه النابضة بالحياة، يعكس الباتيك جمال المناظر الطبيعية والتقاليد الإندونيسية.
يضاف إلى ذلك الأدب والسينما الإندونيسية التي تشكل نوافذ على خيال الأمة وتاريخها، إذ تتعمق الأعمال الأدبية مثل “أرض البشرية هذه” بقلم برامويديا أنانتا توير في الماضي الاستعماري للأمة، بينما يستكشف المؤلفون المعاصرون مثل إيكا كورنياوان موضوعات الأساطير والتحضر. ومع مخرجين مشهورين مثل ريري رضا، وجارين نوجروهو، تلتقط السينما الإندونيسية الفروق الدقيقة في الحياة اليومية والقضايا الاجتماعية والانعكاسات الثقافية. فالأدب والأفلام تلهم النقاش، وتثير الأفكار، وتقدم لمحات عن التجربة الإندونيسية، فهي تعكس تقاليد رواية القصص في البلاد وتنقل المعرفة والقيم والعواطف عبر الأجيال.
الرقص الإندونيسي
يعد الرقص الإندونيسي أيضاً جزءاً أساسياً من ثقافة البلاد، وهناك مئات الأنواع المختلفة من الرقصات التي يتم إجراؤها في جميع أنحاء إندونيسيا. تحكي كل رقصة قصة مختلفة، وغالباً ما يتم استخدامها للاحتفال بالأحداث والمهرجانات الهامة. تعتبر الرقصات الباليّة التقليدية واحدة من أكثر الرقصات شعبية في إندونيسيا وتشتهر بحركاتها المعقدة والأزياء الملونة.
تظهر أشكال الرقص الإندونيسي سرد القصص والتعبير الثقافي، حيث تحكي الحركات الرشيقة لرقصة الليجونغ حكايات الحب والمخلوقات الأسطورية، بينما ترمز رقصة البارونغ القوية إلى الصراع الأبدي بين الخير والشر. وغالباً ما تكون الرقصات التقليدية مصحوبة بموسيقى الجاميلان، ما يخلق تجربة متعددة الحواس تنقل الجماهير إلى عوالم مختلفة. فأشكال الرقص ليست مجرد عروض، بل هي تجسيد لتقاليد السرد الإندونيسي واحتفال ببراعتها الفنية، حيث تعكس هذه الرقصات العمق الثقافي للأمة، وتقدم لمحة عن القصص والقيم التي لا يزال يتردد صداها لدى الجماهير الفتية.
الأدب الاندونيسي
ينعكس التنوع الثقافي في إندونيسيا أيضاً في أدبها، مع تاريخ طويل من رواية القصص والتقاليد الشفوية. يشمل الأدب الإندونيسي مجموعة واسعة من الأنواع، بما في ذلك الشعر والفولكلور والروايات، والتي غالباً ما تكون مستوحاة من التقاليد والقيم الثقافية للبلاد، حتى اكتسب الكتاب الإندونيسيون البارزون اعترافاً دولياً بمساهماتهم الأدبية.
وفي هذا الصدد سألت “البعث” خلال زيارتها إلى إندونيسيا التي امتدت لعشرة أيام المعنيين في الشأن الثقافي عن الثقافات المنتشرة في إندونيسيا وما عدد تلك الثقافات، وهل توجد دور نشر، وكم عدد الكتب التي تُطبع سنوياً، وماذا عن الحركة الثقافية (الرواية- الشعر- ومن هم أهم الكتاب أو المؤلفين، وهل هناك قيود على الأنشطة الثقافية؟
في ردهم على تلك الأسئلة أن ذلك يعتمد ذلك على معنى الثقافة. إذا كان هذا يعني اللغة، فوفقاً لوزارة التعليم والثقافة والبحث والتكنولوجيا، فإن إندونيسيا هي موطن لـ 718 لغة محلية مما يجعل إندونيسيا ثاني أكبر دولة من حيث عدد اللغات. اللغة الوطنية لإندونيسيا هي البهاسا الإندونيسية التي تُدَرّس في المدارس. وتحتوي اللغة نفسها على العديد من الكلمات من اللغات العربية والهولندية والإنكليزية وحتى من اللغات المحلية.
وإذا كانت الثقافة تعني القبيلة أو قوم، فإن إندونيسيا هي موطن لمئات القبائل والأقوام ولكل قبيلة ثقافتها الخاصة على سبيل المثال، اللغة والعادات والتقاليد وما إلى ذلك. ومن الشائع جداً في إندونيسيا أن يكون لكل مدينة ثقافة مختلفة، حتى من الممكن أن تتعدد الثقافات في المدينة الواحدة، لأنها تحتضن أكثر من قبيلة أو قوم.
ووفقاً لمكتبة جمهورية إندونيسيا الوطنية، بلغ عدد الكتب المنشورة حتى تشرين الثاني 2023 حوالي 97.277 كتاباً، بينما في عام 2022 بلغ إجمالي عدد الكتب المنشورة 107.856. ويتراوح عدد الكتب المنشورة بين عامي 2019 – 2024 بين 100.000 – 150.000 كتاباً سنوياً، وبلغ عدد دور النشر في عام 2021 في إندونيسيا حوالي 6.502 داراً، حيث يعتبر نشر الكتب في إندونيسيا نشطاً- ما يقرب من 100.000 عنوان للكتب سنوياً- وهناك عدد من الكتّاب الناجحين في إندونيسيا مثل:
1- أندريا هيراتا، تُرجم عمله الذي يحمل عنوان “لاسكار بيلانجي” إلى 34 لغة أجنبية ونُشر في 130 دولة.
2- كَتَبَ برامويديا أنانتا توير 50 كتاباً، وتُرجم معظمها إلى 42 لغة أجنبية.
3- توفيق إسماعيل، شاعر إندونيسيا المؤثر في الستينيات.
4- دبليو إس ريندرا، شاعر إندونيسي، رشح لجائزة نوبل في الأدب.
أما فيما يخص نوع الأنشطة الثقافية، فإذا كان النشاط عبارة عن حفلة موسيقية أو معرض أو إلخ.. يجب على اللجنة المُنظمة الحصول على ( تصريح أو إذن للتجمع) من قسم الشرطة، و هناك 3 أنواع من الأذونات:
أ. تصريح التجمع لمعرض أو لحفل موسيقي وغيرها من الأنشطة والتي تضم 300 – 500 مشارك أو أكثر من 1.000 مشارك.
ب. تصريح لإطلاق الألعاب النارية.
ج. تصريح التجمع للخطابات العامة أو المظاهرات.
يجب أن تتبع كافة التجمعات السابقة قوانين الدولة الناظمة لكل منها.
الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيزه
على الرغم من تنوعها الثقافي، واجهت إندونيسيا تحديات في الحفاظ على تراثها الثقافي وتعزيزه. على سبيل المثال ، أدى ظهور العولمة والتحديث إلى فقدان أشكال الفن التقليدي وتراجع بعض الممارسات الثقافية. ومع ذلك، كانت هناك جهود للحفاظ على الثقافة الإندونيسية وتعزيزها، بما في ذلك إنشاء مراكز ثقافية، وإدراج الفن والرقص التقليديين في السياحة.
في السنوات الأخيرة ، أدركت الحكومة الإندونيسية أهمية تعزيز تراثها الثقافي، ليس فقط من أجل الحفاظ على الثقافة، ولكن أيضاً من أجل التنمية الاقتصادية. فقد أصبحت السياحة الثقافية مساهماً هاماً في اقتصاد البلاد، حيث يأتي الزوار من جميع أنحاء العالم إلى إندونيسيا لتجربة ثقافتها الفريدة.
علاوة على ذلك، ساهمت الثقافة الإندونيسية أيضاً بشكل كبير في التراث الثقافي العالمي. على سبيل المثال، اعترفت اليونسكو، وايانغ كوليت، وهو شكل من أشكال دمى الظل، بأنه تحفة من التراث الشفهي وغير المادي للبشرية. وبالمثل ، يعد معبد بوروبودور، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، أحد أكبر المعابد البوذية في العالم وشهادة على تاريخ إندونيسيا الغني وإرثها المعماري.