تحقيقاتصحيفة البعث

كذب الأطفال .. المشكلة التي لا تعرف الكثير من الأسر التعامل معها!

محرر التحقيقات

من المؤسف أن الكثيرين يعتبرون كذب الأطفال أمراً عادياً، ويضعونه في خانة الكذب الأبيض، بل قد تجد بعض الأسر التي تسرف في دلال أبنائها تشجّع أطفالها على الكذب دون أن تدري العواقب السلبية لهذا السلوك!.

نعم يحدث ذلك، مع أن الكذب عند الأطفال عادة سيئة، بل يعتبر من “المشاكل التي يجب علاجها بشكل مبكر”، وخاصة من قبل الوالدين لأنهما القدوة لأبنائهم، فتحليهم بالصدق هو المثال الأول والأعلى الذي يفهمه الطفل ويتعلم منه، فلا تجعلوا أو تدفعوا أطفالكم ليكونوا كاذبين وغير مبالين بمسؤوليتهم تجاه أنفسهم وممن حولهم.

خوفاً عليه

تروي السيدة أم مجد أنها لم تعرف كيف تتعامل مع كذب طفلها، فهي دائماً كانت تصدقه في كل رواية، علماً أنها تعلم أنه يكذب، لكن خوفها عليه من عقاب والده كانت تتكتم على الموضوع، مما جعل طفلها يسرح كثيراً في الكذب حتى تسبب في مشكلة لـ “ابن”  الجيران والذي أدى بالنتيجة لقطع العلاقات بينهما.

يشعر بالندم

ويشعر السيد أكرم “أب لثلاثة أطفال ذكور” بالندم لأنه تهاون كثيراً مع كذب أحد أبنائه، ففي العام الماضي رسب ابنه في امتحانات الإعدادية، علماً انه في نهاية تقديم كل مادة كان يسأله عن امتحاناته، فيجيبه الابن بأنها ممتازة، وهي العبارة التي كان يسمعها طوال العام، ويعترف السيد أكرم أنه وثق بابنه كثيراً وأهمل سؤال أساتذته عن مستواه، محملاً نفسه المسؤولية عما حصل، معللاً ذلك بضغوط الحياة التي جعلته يغيب عن البيت طوال الوقت بحثاً عن عمل آخر يساعده في تحمل متطلبات المعيشة الصعبة.

وبحسب الدراسات الاجتماعية والنفسية، هناك عدة أسباب تدفع الأطفال للكذب منها: القسوة والكبت، وعدم إشباع غريزة التملك، والغيرة بين الأبناء، ومحاولة الكذب للظهور كطفل مميز، إضافة إلى حب الانتقام من الطفل الأكثر تميزاً منه، وغير ذلك من أسباب غائبة تماماً عن غالبية الآباء!

أسوأ العادات

وبرأي الأخصائية الاجتماعية دعاء إبراهيم فإن عادة الكذب عند الأطفال من أسوأ العادات التي يكتسبها الطفل في بداية حيات كونه ذلك يتعارض مع بناء شخصيته السليمة، ولدى سؤالها: هل الكذب لدى الطفل عادة مستمرة؟ أوضحت أنه ليس كذلك، بل يلجأ إلى الكذب من وقت لآخر خوفاً من العقاب، أو التهرب من أمر ما، أو تقليد للوالدين والأشخاص المحيطين به، أو للحصول على الاهتمام، أو بسبب الخيال الخصب وخاصة في عمر 3 سنوات.

معالجة المشكلة

وبخصوص معالجة المشكلة تقول الأخصائية الاجتماعية، تقول إبراهيم إن أولى الخطوات تكون بأن يتجنب الوالدين الكذب أمام أطفالهم، والخطوة الثانية أن لا يعاقب الطفل عندما يقول الحقيقة، بل تشجيعه على قولها بشكل مستمر، مع توضيح  خطورة الكذب على الطفل والمحيطين به، وشددت الأخصائية “إبراهيم” على أهمية الحوار بين الآباء والأبناء فيما يتعلق بتوضيح خطورة الكذب، ومراجعة ما يطلع عليه الأبناء وتوعيتهم.

دور المدرسة

ووصفت إبراهيم دور المدرسة بهذا الخصوص بأنه بالغ الأهمية كون المدرسة تعتبر البيت الثاني للطفل ولها تأثير قوي على الطلاب قد يفوق تأثير الوالدين، فالمعلم في المدرسة إضافة إلى دوره التعليمي يجب أن يكون مربياً من خلال تعليم التلاميذ كل ما هو مفيد لهم وينمي شخصيتهم ويُحسن شخصيتهم ويبعدهم عن عادة الكذب.

كيفية التعامل

بحسب الأخصائية الاجتماعية فإن أول خطوة في التعامل مع كذب الأطفال تكون بمواجهة الطفل في كل ما يخطئ به سواء الكذب أو أي سلوك غير مرغوب، على أن يتم ذلك بهدوء دون انفعال مع توضيح التصرف الخاطئ وآثاره السلبية عليه وعلى مجتمعه المحيط، ولفتت إلى أهمية تعويد الطفل على الاعتذار عن الكذب ، وعدم تقبل أعذاره الكذب دون أسباب،  مع التأكيد للطفل أن الكذب أمر مرفوض مطلقاً.

وقالت إبراهيم: يجب أن يدرك الآباء أثناء تعاملهم مع كذب أطفالهم الابتعاد عن العقاب إذا كذب الطفل، والحرص على تشجيعه على قول الحقيقة ومنحه فرصة ثانية،  لكن إذا لزم الأمر فإن أفضل طرق عقاب الطفل هي حرمانه من الأشياء التي يحبها لفترة محدودة.

منهج المونتسوري

وتتوافق وجهة نظر الخبيرة التربوية قمر الجندلي مع الرأي السابق، مؤكدة بدورها أن الخوف من العقاب أو الإهانة، قد يدفع الكثير من الأطفال للكذب، ومع تكرار ذلك يصبح الكذب عادة عندهم، وهذه مشكلة خطيرة، فاستمرار الكذب بحالة الخوف يشير إلى فقدان ثقة الطفل بمن حوله، وبرأي “الجندلي” على المعلمة في المدرسة أو الروضة أن تكون متفهمة جداً لهذا الأمر، من خلال تشجيع الطفل على قول الحقيقية، وتعليمه ثقافة الاعتذار والاعتراف بأنه كذب أو أخطأ، أما داخل الأسرة، فعلى الآباء والأمهات عدم استخدام العقاب الجسدي أو النفسي، ومحاولة تأكيد الدعم للطفل بطريقة توحي له أنه إذا اعترف بكذبته فهذا لا يقلل من شأنه، فحديث الوالدان مع الطفل يزيد من الثقة بينهما وبالنتيجة يعلمه كيف يصلح كذبته.

وتضيف الخبيرة الحاصلة على شهادة المونتيسوري للأطفال: يمكن من خلال اعتماد منهج المونتسوري معالجة مشكلة الكذب عند الأطفال، وذلك عن طريق  تشجيعهم على تطوير الانضباط الذاتي وأيضاً الوعي الذاتي، ومع الإكثار من هذه الحصص يبدأ الطفل تدريجياً بتنظيم سلوكه ويصبح لديه إحساس بالمسؤولية عن كل تصرف يقوم به، وهذا ما يجعله حريصاً على أن يكون منضبطاً خاصة عندما يحظى بالتقدير والاحترام عن كل فعل أو عمل جيد قام به.

بالمختصر، الآباء والأمهات هم مرآة أطفالهم، لذا عليهم أن يكونوا القدوة الحسنة، وخاصة فيما يتعلق بمشكلة الكذب، فهو صفة يكتسبها الطفل من محيطة ولا تولد معه.