دراساتصحيفة البعث

“نتنياهو” يخوض حرباً بلا أفق

يخوض رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في قطاع غزة حرباً بلا أفق مضى على قيامها نحو ثمانية أشهر تقريباً، حيث بلغ مستوى الإجرام الإسرائيلي درجاتٍ فاقت كل تصوّر في القتل والدمار الذي طال المستشفيات والطواقم الطبية، والمدارس، والمساجد، وفرض حصاراً خانقاً بهدف التجويع والاستسلام، ولكن الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني الذي تمسك بخيار المقاومة شكّل هزيمة مدوية لكل أهداف “نتنياهو” الذي يتخبط اليوم في أوهامه ويصطدم بالحقائق المؤلمة.

وعلى الرغم من تجاوزه كل القواعد، أخفق “نتنياهو” في تحقيق أيّ هدفٍ من أهدافه سوى قتل المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ، في حين عجز تماماً عن تحقيق وعوده باستعادة الأسرى أو تدمير المقاومة، وفوق ذلك كله ضيّع فرصة الهدنة التي كان من المفترض أن تحقق نتائج مرضية للجميع، ولكن تعنّت حكومته المتطرفة وإصرارها على مواصلة الحرب واجتياح رفح، على الرغم من التحذيرات الدولية، ضيّع هذه الفرصة التي كادت تنجح.

إن الرغبة الإسرائيلية في القتل والإبادة ومواصلة التهجير لتصفية القضية الفلسطينية لا تزال تشكّل عائقاً يحول دون التوصل إلى حلٍ للصراع العربي الصهيوني، ولهذا فإن “نتنياهو” المتطرّف عالق في حرب بلا أفق، فقد ربط مصيره وهو يخوض معركته الأخيرة باليمين القومي المتطرف الذي يصرّ على استمرار الحرب، واحتلال قطاع غزة، ولو كان ذلك على حساب التخلي عن الأسرى، ما دفعه للدفاع عن هذه الحرب بالأكاذيب والادّعاءات الباطلة غير المجدية، واستخدم كل قدراته على المناورة حتى لا يُجبر على وقف الحرب التي يعني توقفها نهاية لمشواره السياسي.

ونتيجة لذلك، تواجه حكومة “نتنياهو” انشقاقاتٍ داخليةً لعدم وضوح الرؤية والهدف، ذلك أن الحرب مستمرة دون إنجازات، بل على العكس تماماً تضاعفت عزلة الكيان الإسرائيلي مقابل تزايد الاعتراف بالدولة الفلسطينية من بعض الدول الأوروبية التي تعدّ حليفة للكيان. ومع كل يوم إضافي من الحرب، تتآكل الإنجازات الميدانية التي كانت من نصيب العدو، وإن لم تكن هذه الإنجازات بمستوى الأهداف التي حدّدها “نتنياهو” للحرب.

إن خطوة اجتياح رفح لم تعُد نزهة للجيش الإسرائيلي طالما اعتاد عليها في خططه السالفة في اجتياح المناطق التي ينوي اجتياحها. ففي هذه المرة اصطدم بصلابة دفاعات المقاومة وثبات المقاومين الذين ألحقوا بالجيش الإسرائيلي خسائر فادحة بالأرواح والمعدات لم يتعرّض لها في تاريخه، وذلك أن “نتنياهو” لا يفهم أنه يصارع فكرة وليس جسداً، فأهدافه تتصادم مع فكرة المقاومة التي تجسّدها حركات وفصائل تحمل أسماء “حماس” و”الجهاد” وأسماء أخرى، ومن شأن بقاء الفكرة أن يطيل أمد الحرب إلى ما شاء الله، وهذا دون شك سوف يكون فوق طاقة “نتنياهو” وقدرته على البقاء في السلطة.

إن المقاومة باقية وأقدامها ثابتة وما زالت تمتلك إرادة القتال، وهي مستعدّة لصراع مفتوح وطويل وإسقاط ليس حكومة “نتنياهو” فحسب، بل منظومة الاستيطان والتمييز العنصري بكاملها وإزالة الاحتلال من الوجود.

دراسات