دراساتصحيفة البعث

إستراتيجية أمريكية يخيم عليها جو سياسي سام

عناية ناصر

صرح الرئيس الأمريكي بايدن في مقابلة أجريت معه مؤخراً أنه يعتقد أن الاقتصاد الأمريكي قادر على التنافس مع منافسه العالمي الرائد، الصين. وزعم أنه بسبب أزمة الشيخوخة وثقافة كراهية الأجانب التي تؤدي إلى تقلص القوى العاملة، فإن الاقتصاد الصيني “على حافة الهاوية”.

ومن الجدير بالذكر أن هذه ليست هي المرة الأولى التي ينشر فيها الرئيس الأمريكي شائعة الانهيار الاقتصادي في الصين، ففي تموز عام 2023، وخلال حدث سياسي لجمع التبرعات، أشار بايدن إلى الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، باعتبارها “قنبلة موقوتة”.

ألا يخشى هذا السياسي الأمريكي رفيع المستوى المهووس جداً بـ “مهاجمة” الاقتصاد الصيني بشكل متكرر، أن يُثبت أن تأكيداته لا أساس لها من الصحة في المستقبل؟

لا يمكن مناقشة آفاق الاقتصاد الصيني مع بايدن، لأن “تأكيداته” أصبحت بالفعل لغة درامية منفصلة عن الواقع. فإلى أي نوع من أجواء المسرح السياسي ستؤدي مثل هذه التصريحات؟

أولاً، إن هذا تكتيك سياسي شائع يُعرف باسم “الآخر” أو “المقارنة السلبية”، حيث يحاول القادة وكبار السياسيين جعل بلادهم تبدو جيدة من خلال انتقاد إنجازات دولة أخرى أو التقليل من شأنها. وتشير “الحملة الدائمة” إلى نظام الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث يتعين على المرشحين الانخراط في أنشطة الحملة ليلاً ونهاراً لجذب انتباه الناخبين. وبعد انتخابهم، يواصلون أنشطة مماثلة خلال فترة ولايتهم للحفاظ على الدعم للفترة التالية. وبموجب هذه الآلية، كثيراً ما يلجأ الساسة إلى الخطابة المثيرة، بل وحتى تشويه الحقائق واختلاق الشائعات، في حين يتم تهميش المناقشات السياسية العقلانية والواقعية. كما يطلق السياسيون خلال حملاتهم الانتخابية وعوداً باهظة يصعب الوفاء بها بعد انتخابهم. إن خدعة “التخبط” هذه شائعة في الانتخابات الأمريكية.

ثانياً، تدفع التحولات الأخيرة في المشهد السياسي الأمريكي هؤلاء القادة إلى مستنقع الشعبوية، فهم يلجأون إلى خطاب سياسي قوي، لكن كلماتهم الحماسية غالباً ما تفوح منها رائحة العداء، مما يؤدي إلى تفاقم الخلاف بين الجمهور.

 

ثالثاً، أدت الانتخابات الأمريكية إلى تفاقم هذه الروح الاستعراضية غير المسؤولة. وبما أن الصين هي المنافس الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة، فمن الطبيعي أن تصبح هدفاً لهجمات الساسة.

الأمر المقلق هو أنه إذا كانت مثل هذه الهجمات الشرسة على الاقتصاد الصيني قد جعلت الناس يعتقدون أن أداء الاقتصاد الأمريكي يسير على نحو جيد، فهل يستطيع مثل هذا النظام السياسي أن ينتج زعيماً قادراً على قيادة الاقتصاد رقم واحد في العالم؟

تذكر كلمات الرئيس بايدن بشخص آخر، هو غوردون جي، المعروف بأنه أحد “بطاركة نظرية” انهيار الصين. حيث كان يعتقد تشانغ اعتقاداً راسخاً ولسنوات عديدة أن الاقتصاد الصيني سوف ينهار، وكان يدعو أيضاً إلى انهياره. لكن مع مرور الوقت، لم يتفكك الاقتصاد الصيني، بل أصبح أقوى وسط التحديات، وقدم تقارير مذهلة سنة بعد سنة. واختفى أتباع تشانغ تدريجياً، وذهبت تأكيداته التي كانت ملفتة للنظر في مهب الريح.

كان من المفترض أن تكون الانتخابات الرئاسية حدثاً مهيباً يحدد مستقبل الولايات المتحدة، لكن تحول الأمر إلى مشهد استعراضي يقدم المرشحون فيه وعوداً مبالغ فيها وادعاءات غير مسؤولة، في محاولة لخداع الناخبين وكسب دعمهم. ومع اشتداد حدة الانتخابات، سيواصل الرئيس بايدن قول أشياء غير صحيحة عن الصين، المنافس الرئيسي لبلاده.

تكشف هجمات بايدن على الاقتصاد الصيني عن قضية رئيسية في العلاقات الصينية الأمريكية الحالية: يفتقر السياسيون الأمريكيون إلى الفهم الصحيح للعلاقة والصدق لحل المشاكل القائمة بين البلدين. إنهم لا يهتمون إلا بالأصوات، وكل السياسة يجب أن تخدم هذا الغرض.

وهنا لابد من التساؤل ما إذا كانت إستراتيجية الولايات المتحدة في التعامل مع الصين، والتي تمت غرسها في مثل هذه البيئة السياسية، قادرة على الاستمرار. إذا لم يتمكن كبار الساسة في الولايات المتحدة من الاعتراف بالتنمية في الصين بشكل أكثر مصداقية وشمولاً، واختاروا بدلاً من ذلك الإدلاء بتصريحات مشينة، وتحويل الانتخابات إلى استعراض للوعود الكاذبة والمخادعة، فإن هذه الإستراتيجية قد تكون غير ذات أهمية.